أخبار عدن

الخميس - 23 يناير 2025 - الساعة 09:12 م بتوقيت اليمن ،،،

خاص


لم يكن يدور في ذهن أحد أن يكشف الغوص في دهاليز الأخبار المتعلقة ببيع قطاع "إس إثنان" النفطي بمحافظة شبوة عن هذا الكم من الفظاظة والجرأة التي تميز بها سماسرة النفط. القصة بدأت بتحقيق بسيط، لكنها سرعان ما تحولت إلى قضية شائكة تكشف تورط أطراف متعددة محلية ودولية، في صفقات مشبوهة تهدف إلى الاستحواذ على واحد من أهم القطاعات النفطية الواعدة في اليمن.

أهمية قطاع إس إثنان النفطي
يُعد قطاع "إس إثنان" بمنطقة العقلة في محافظة شبوة واحدًا من أهم القطاعات النفطية في اليمن. تم اكتشافه عام 2005، وأدارت تشغيله شركة "أو إم في" النمساوية حتى نهاية 2022. ينتج القطاع أكثر من 17,000 برميل يوميًا من النفط الخام، بالإضافة إلى 80 مليون قدم مكعب من الغاز يوميًا. هذه الكميات تكفي لتشغيل محطة كهروغازية بطاقة إنتاجية تزيد عن 200 ميجاواط، أي ما يعادل أكثر من 11 ضعفًا لاحتياجات محافظة شبوة الحالية من الكهرباء.

كيف بدأت الحكاية؟ ولماذا شبوة بالذات؟
في يناير 2022، أبلغت شركة "أو إم في" الحكومة اليمنية برغبتها العاجلة في بيع حصتها البالغة 57.7% في قطاع "إس إثنان"، معللة قرارها بظروف قاهرة. مع تأخر الرد الحكومي، قررت الشركة التحرك بمفردها، وأبرمت صفقة مع شركة "زانيت نذرلاندز" الهولندية في ديسمبر 2022. الصفقة بلغت قيمتها 21 مليون دولار، دُفع منها 4 ملايين دولار كدفعة مقدمة، وتم الإعلان عن نقل الملكية بشكل كامل.


لاحقًا، تشكلت لجنة وزارية لبحث انسحاب شركة "أو إم في" ونقل حصتها للدولة. ورغم أن اللجنة أحرزت تقدمًا في المفاوضات، إلا أن الشركة أظهرت تعنتًا، خاصة بعد مطالبة اللجنة بتنفيذ التزاماتها تجاه البيئة والمجتمع المحلي والموظفين. لم يكن هذا التعنت مستغربًا بعد تسريب رسالة من رئيس الهيئة لوزير النفط، تكشف عن نية شركة أخرى تدعى "بلوسكاي" شراء حصة "أو إم في"، وسط غموض يحيط بالمفاوضات التي نُقلت إلى القاهرة.

تفاصيل الصفقة وشبهاتها

الشركة الهولندية المشتري
تبين أن شركة "زانيت نذرلاندز" الهولندية ليست سوى كيان تجاري نائم بلا أصول تذكر. ورغم ذلك، أصبحت فجأة مالكة لأحد أكبر الحقول النفطية في اليمن، ما يثير تساؤلات حول الجهات التي تقف خلفها.

التنازل المفاجئ عن الحصة
فور توقيع الصفقة، تنازلت الشركة الهولندية عن 51% من الحصة لشركة صينية تُدعى "أنج بو المحدودة". اللافت أن مقر الشركة الصينية عبارة عن غرفة صغيرة في مركز تجاري قديم بمدينة هونغ كونغ، ما يضيف مزيدًا من الشكوك حول الجدية والمصداقية.

عوائد مالية مشبوهة
الحصة التي امتلكتها الشركة الصينية تعادل إنتاج يومي قدره 1,020 برميل من النفط، ما يحقق لها عوائد شهرية تزيد عن 2.3 مليون دولار، بينما إيجار مقرها لا يتجاوز 2,000 دولار شهريًا.


من يقف خلف هذه الشركات؟
استطاع فريق البحث تحديد أن مندوب شركة "زانيت" الكندية (الشركة الأم) التقى بأحد السماسرة في مدينة كوانزوا الصينية بين فبراير وأبريل 2022، وهو مهندس رئيسي في الصفقة ويمثل طرفًا محليًا مستفيدًا. كما ظهر اسم د. خوسيه رامون لوبيز بارتيلو، رئيس مجلس إدارة "زانيت"، كأحد الأطراف المثيرة للجدل. رامون، الذي يشغل منصب عضو في مجموعة تيسير التجارة بالأمم المتحدة، أثار تساؤلات حول علاقة المنظمة الدولية بهذه الصفقة.

ملاذ آمن للشركات الوهمية
تحريات فريق الإعداد كشفت أن هونغ كونغ تُعد مركزًا مثاليًا للصفقات المشبوهة بفضل التسهيلات التجارية الواسعة التي تقدمها. يمكن تأسيس شركة وفتح حساب بنكي بمبلغ زهيد لا يتجاوز 500 دولار سنويًا، ما يجعل من الصعب الكشف عن هوية الملاك الحقيقيين.

ردود الأفعال المحلية والدولية
رغم أهمية قطاع "إس إثنان"، لم يصدر أي بيان رسمي من الحكومة اليمنية، برئاسة معين عبدالملك، يوضح موقفها من الصفقة أو يدافع عن حقوق الدولة. كما أن السلطة المحلية في شبوة التزمت الصمت، مما يثير استغرابًا كبيرًا، خاصة أن الحكومة كان من المفترض أن تحصل على 15% من صافي قيمة البيع.

الشركات الحكومية الأولى بالصفقة
يشير محللون إلى أن الأولوية كان يجب أن تُمنح للشركات الحكومية لإدارة هذا القطاع، كما حدث سابقًا في 2005 و2011 عندما خرجت شركات "هنت" و"كنديان نكسن". لكن غياب الرقابة والشفافية فتح المجال لسماسرة النفط للتحكم بمصير هذه الثروة.

أسئلة ملحة بلا إجابة

لماذا صمتت الحكومة والسلطة المحلية على هذه الصفقة؟

من يقف خلف الشركات الوهمية التي ظهرت فجأة؟

ما دور شركة "الحثيلي" المحلية في هذه العملية؟

لماذا لم يُعطَ القطاع لشركات وطنية أو حكومية لإدارته؟


تكشف قضية بيع قطاع "إس إثنان" في شبوة عن حجم الفساد وعدم الشفافية في إدارة الموارد الوطنية. تحتاج هذه القضية إلى تحقيق عاجل وشامل لكشف ملابساتها ومحاسبة المتورطين فيها، لضمان عدم تكرار مثل هذه الصفقات التي تهدد مستقبل الاقتصاد اليمني وثرواته الطبيعية.