كتابات وآراء


الأربعاء - 08 يناير 2025 - الساعة 07:29 م

كُتب بواسطة : محمد المسبحي - ارشيف الكاتب




في عمق المشهد السياسي اليمني، تتجلى تجربتا فرج بن غانم وأحمد بن مبارك كصورتين متباينتين لصراع الإصلاحات في ظل نظام سياسي مترهل. كلا الرجلين حمل على عاتقه مشروعا إصلاحيا لكنه اصطدم بجدار التدخلات السياسية وهيمنة السلطة، مما جعلهما يواجهان ذات السؤال المصيري: هل يمكن للإصلاحات أن تصمد أمام تعقيدات الواقع السياسي؟

في تسعينيات القرن الماضي، برز فرج بن غانم كرجل تكنوقراطي يتمتع بخبرة وكفاءة، وجاء بمشروع إصلاح اقتصادي طموح استجابة للضغوط الدولية. إلا أن الرئيس السابق علي عبد الله صالح الذي رأى في السلطة امتدادا لنفوذه الشخصي تدخل بشكل سافر في عمل الحكومة ما أضعف دور بن غانم وأفشل محاولاته للإصلاح. وأمام هذه التدخلات المباشرة، اختار بن غانم الانسحاب بعد أن أدرك استحالة تنفيذ مشروعه في ظل هيمنة السلطة المطلقة.

بعد سنوات طويلة واجه بن مبارك واقع أكثر تعقيدا في ظل حرب طاحنة وأزمات اقتصادية وإنسانية غير مسبوقة. بن مبارك الذي بدأ مشروعه الإصلاحي بحزم أطلق معركة مباشرة ضد الفساد، وفتح ملفات كانت مغلقة لعقود طالت أسماء نافذة ومؤسسات مؤثرة. كما سعى لتعزيز الشفافية والمساءلة من خلال إحالة قضايا الفساد إلى الجهات المختصة. لكن جهوده واجهت عوائق مشابهة لتلك التي عرقلت بن غانم تمثلت في التدخلات السياسية ومحاولات تشويه صورته.

على عكس بن غانم، رفض بن مبارك الانسحاب وقرر البقاء في منصبه، متحديا الضغوط والعراقيل ومواصلا جهوده الإصلاحية رغم كل المخاطر تجربته تعكس إصرارا على كسر الحلقة المفرغة من الفساد والهيمنة السياسية لكنها أيضا تضعه أمام معركة لا يمكنه الفوز بها بمفرده.

بين انسحاب بن غانم وصمود بن مبارك، تتجسد مأساة السياسة اليمنية في غياب بيئة تمكن الإصلاحات من النجاح. ورغم اختلاف الظروف والأساليب، يبقى السؤال عالقا..هل يمكن أن يجد مشروع الاصلاحات اليوم الدعم الشعبي والسياسي اللازم للنجاح؟ أم أن النظام اليمني سيبقى رهينا للفوضى والتدخلات؟ الإجابة على هذا السؤال ليست بيد الحكومة وحدها..بل في إرادة اليمنيين جميعا لإنقاذ وطنهم من براثن الفساد والتراجع.