عرب وعالم

السبت - 24 سبتمبر 2022 - الساعة 03:01 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


كسرت التظاهرات التي اتسعت رقعتها في إيران المحرمات ووضعت النظام الإسلامي القائم في طهران أمام تحد غير مسبوق. وأثارت وفاة مهسا أميني البالغة من العمر 22 عاما والمتحدرة من إقليم كردستان (شمال غرب البلاد) بعد اعتقالها من قبل شرطة الأخلاق، موجة احتجاج جديدة في بلد تخضع فيه المعارضة لضغوط كبرى.


وكانت إيران قد شهدت "الحركة الخضراء" في عام 2009 بعد انتخابات مثيرة للجدل، ثم تظاهرات في نوفمبر 2019 بعد ارتفاع أسعار البنزين والتضخم العام. لكن المحللين يقولون إن الاحتجاجات الحالية تطرح تحديا أكثر تعقيدا للنظام الإسلامي بقيادة آية الله علي خامنئي (83 عاما).

وقال علي فتح الله نجاد الخبير في الشأن الإيراني في جامعة بيروت "هذه أكبر احتجاجات منذ نوفمبر 2019. التحركات الوطنية السابقة كانت تقودها الطبقات العاملة وأثارها تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية، لكن الشرارة هذه المرة كانت اجتماعية - ثقافية وسياسية".

وأضاف “لم يتوقع النظام أن يؤدي اعتقال مواطنة ووفاتها إلى إثارة انتفاضة وطنية”. والأكثر دهشة هو أن التمرد يأتي من النساء. وقال ألكسندر غرينبرغ المحلل في معهد أمن وإستراتيجية القدس "من الطبيعي أن يقمن بالاحتجاج. والأهم من ذلك هو أن الرجال يدعموهن"، مشيرا إلى تزايد "علمنة" المجتمع. ويضيف غرينبرغ “كما أن ذلك يقلق المتدينين الإصلاحيين. إنهم يدركون أن النتيجة ستكون أن الشعب سينتهي به الأمر إلى كره الإسلام والدين".

وتأتي التظاهرات أيضا في وقت حساس للغاية بالنسبة إلى النظام الذي أضعفته العقوبات الاقتصادية الدولية المرتبطة ببرنامجه النووي. والمفاوضات للعودة إلى اتفاقية فيينا لعام 2015 والمعروفة باسم “خطة العمل المشتركة الشاملة” الشرط الأساسي لرفع العقوبات، في طريق مسدود منذ عدة أشهر.

ومن بين الشعارات التي رددها المتظاهرون "الموت للدكتاتور" والعديد من التصريحات المناهضة للنظام، فيما برزت صرخة التجمع "امرأة، حياة، حرية". ويخشى رجال الدين الذين يحكمون إيران من عودة الاضطرابات التي شهدتها البلاد في عام 2019 احتجاجا على ارتفاع أسعار البنزين، والتي كانت الأكثر دموية في تاريخ الجمهورية الإسلامية. وذكرت رويترز أن 1500 شخص قتلوا آنذاك.

وقال دبلوماسي أوروبي "هذه التظاهرات ستعرض استمرارية النظام للخطر. ففي نوفمبر 2019 لم يترددوا في إطلاق النار على المحتجين ولا أرى ما سيردعهم هذا العام". وارتفع عدد قتلى الاحتجاجات في إيران والمواجهات التي تخللتها منذ أسبوع إلى 36 بينهم شرطيون، وفق منظمة غير حكومية.

ويقول محللون إن الاضطرابات أحدثت صدعا آخر في الجمهورية الإسلامية الخبيرة في التعامل مع الاضطرابات التي سببتها الأزمات الاقتصادية وارتفاع الأسعار، لكنها ليست كذلك في مواجهة نساء يقدن أكبر المظاهرات منذ عام 2019.

وأصدر الجيش الإيراني تحذيرا شديد اللهجة للمتظاهرين الجمعة. وقال الجيش في بيان "لن تسمح القوات المسلحة والشعب أبدًا للأعداء باستغلال الوضع الراهن". كما حذر جهاز الاستخبارات من المشاركة في "التجمعات غير القانونية". ودعا رئيس السلطة القضائية غلام حسين محسني إجئي الخميس، قوات الأمن إلى الرد بالقوة على التظاهرات في عموم البلاد.

وفرضت السلطات الإيرانية قيودًا صارمة ومحددة الهدف على استخدام الإنترنت في محاولة لعرقلة تجمع المتظاهرين ومنع وصول صور قمع التظاهرات إلى العالم الخارجي. وأعرب نشطاء عن قلقهم من أن هذه القيود التي تؤثر أيضًا على موقع إنستغرام الذي ظل حتى الآن غير محجوب في إيران ويحظى بشعبية كبيرة، يمكن أن تتيح للسلطات تنفيذ القمع "تحت جنح الظلام".

ووصف موقع "نتبلوكس" Netblocks لمراقبة الوصول إلى الإنترنت تقييد الاتصال بالإنترنت بأنه "أشد قيود الإنترنت صرامة” في إيران منذ حملة قمع احتجاجات نوفمبر 2019، عندما شهدت الجمهورية الإسلامية انقطاعا شبه كامل لشبكة الإنترنت لم يسبق له مثيل حينها.

وقال إنه تم قطع شبكات الاتصال عبر الهاتف المحمول – على الرغم من وجود علامات على عودة الاتصال – وفُرضت قيود صارمة تبعًا للمحافظات على الوصول إلى إنستغرام وواتساب.

وقالت مهسا علي مرداني، الباحثة الإيرانية لدى مجموعة "المادة 19" المعنية بحماية حرية التعبير إن “الأمر مختلف بشكل كبير عما رأيناه في نوفمبر 2019. إنه ليس شبه كامل وكامل كما كان في ذلك الوقت ولكنه متقطع على نحو أكبر".

وقالت "لكن هناك بالتأكيد الكثير من الاضطرابات وعمليات انقطاع تحدث"، مشيرة إلى أن الناس ما زالوا قادرين على الاتصال بالشبكة عبر الشبكات الافتراضية الخاصة "VPNs".

وقالت مهسا علي مرداني إن السلطات الإيرانية قد تتصرف بحذر خشية مما قد يكون للحجب الكامل للإنترنت من تأثير على الاقتصاد، بالإضافة إلى قضايا الحياة اليومية مثل المواعيد الطبية عبر الإنترنت. وأضافت أن هناك أيضًا انقطاعًا على شبكة المعلومات الوطنية، وهي بنية تحتية مستقلة تريد إيران تطويرها كشبكة إنترنت محلية.

وأدى حظر طهران في السنوات الأخيرة لمنصات رئيسية – بما في ذلك فيسبوك وتويتر وتلغرام ويوتيوب وتيك توك – إلى جعل إنستغرام وواتساب من أكثر تطبيقات الوسائط الاجتماعية استخداما في إيران.

وأكدت تقارير إعلامية رسمية أن المسؤولين أمروا بتقييد الوصول إلى الخدمتين. وأشار مراقبون أيضا إلى انقطاع الإنترنت على نحو مستهدف في بعض المناطق، لاسيما في محافظة كردستان حيث وقعت بعض أعنف المواجهات.

وقالت لجنة خبراء حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة "يكون قطع الإنترنت عادة جزءًا من جهد أكبر لخنق حرية سكان إيران في التعبير والتجمع وللحد من الاحتجاجات الجارية"، ووصفت القيود بأنها ثالث إغلاق من نوعه في إيران في عام. وأضافت اللجنة أن "انقطاع الإنترنت الذي تفرضه الدولة لا يمكن تبريره تحت أي ظرف من الظروف".

وانطلقت مسيرات نظمتها السلطات الإيرانية في عدة مدن بالبلاد الجمعة في مواجهة احتجاجات مناهضة للحكومة خرجت في شتى أنحاء البلاد للتنديد بوفاة امرأة في حجز للشرطة، وطالب بعض المتظاهرين بإعدام مثيري الشغب.

وأظهرت التغطية الحية للتلفزيون الرسمي المشاركين في المسيرات وهم ينددون بالمحتجين المناهضين للحكومة ويصفونهم بأنهم "جنود إسرائيل". كما رددوا هتافات تقول "الموت لأميركا" و"الموت لإسرائيل"، وهي هتافات معتادة يستخدمها رجال الدين الإيرانيون لحشد الدعم للسلطات. ورددت الحشود هتاف “يجب إعدام المسيئين للقرآن".