عرب وعالم

الأحد - 27 أبريل 2025 - الساعة 12:02 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


طفت على السطح خلافات بين مجموعات مسلحة تقاتل إلى جانب الجيش السوداني في حربه ضد قوات الدعم السريع، بعد أن وجه قائد ما يسمى قوات درع السودان أبوعاقلة كيكل، اتهامات مباشرة لوزير المالية جبريل إبراهيم، وهو قائد حركة العدل والمساواة في إقليم دارفور، بالرغبة في الاستحواذ على المشروع الزراعي بولاية الجزيرة (وسط)، ما يُمكن أن يفضي إلى صراع مناطقي بين مجموعات تمتلك السلاح ترى بأنها حققت إنجازات عسكرية على الأرض.

وهاجم كيكل، الذي انشق عن قوات الدعم السريع في أكتوبر الماضي، وزير المالية وحمّله مسؤولية الحكومة بشأن التراجع عن دعم مشروع الجزيرة الزراعي، الأضخم في السودان، وأن أبناء الولاية لن يتخلوا عن حقوقهم “غصبا عن أيّ زول” (شخص)، في لغة تهديد صريحة باستخدام العنف للحفاظ على حقوق أبناء الولاية.

وقال كيكل في كلمة له أثناء مشاركته بملتقى مزارعي مشروع الجزيرة، الخميس، “لا يوجد شخص يشعر بما تعانيه ولاية الجزيرة، وهناك إهمال حقيقي من الدولة ولا مبرر لرفع وزارة المالية يدها عن تمويل المشروع،” متهما جهات داخل الحكومة بالابتزاز والاستيلاء على الأموال دون تقديم إنجازات.

وليست هذه المرة الأولى التي ينشب فيها صراع بين مجموعات مسلحة محسوبة على معسكر الجيش في حربه الحالية، إذ سبقت ذلك مناوشات بين كيكل وحاكم إقليم دارفور مني آركو مناوي (قائد حركة جيش تحرير السودان في دارفور) إثر خلافات مناطقية واتهامات وجهها قائد قوات درع السودان للقوات المشتركة في ولاية الجزيرة، ورفض كيكل تولي حركات مسلحة من غرب السودان إدارة أيّ ملف خارج مناطقها.

ويشير الوضع القائم إلى أن الصراعات المناطقية تأخذ في التصاعد بفعل رغبة كل طرف في الحفاظ على ما حققه من مكتسبات خلال الحرب، مع عدم السماح لمجموعات أخرى لديها انتماءات مناطقية بالسيطرة على ثرواتها في إطار صراع السلطة والثروة الدائم في السودان، وأن حالة السيولة الراهنة وعدم قدرة الجيش السيطرة على المجموعات المنضوية تحت لوائه قد تقود إلى اشتباكات من نتائجها تفسخ تحالفات الجيش من جانب، ودخول البلاد في حرب أهلية طويلة من جانب آخر.

وهناك صراعات موازية بين قائد حركة درع السودان والحركة الإسلامية التي تتحكم على نحو أكبر في قرار المؤسسة العسكرية السودانية، إذ أن استعداد كيكل لتسليم سلاحه والانضواء داخل الجيش عقب وقف الحرب لا يتماشى مع أهداف التنظيم الإسلامي في السودان الذي يرى في ذلك خطورة على حضوره ونفوذه.

وتظهر مقدمات الصراع مع إعلان كتائب قائد فيلق البراء بن مالك، المصباح أبوزيد، عن تفعيل كتائب الظل ضمن قوات البراء، بعد أن تم الكشف عن خطط لتجهيز نصف مليون مقاتل يعملون تحت قيادة القوات المسلحة دون أن تتحمل الدولة أعباء إدارية، ما يؤسس لصراعات ستأخذ طابعا أكثر ضراوة بين مجموعات مسلحة لا تتوحد خلف هدف محدد وستقود تقاطعات الأهداف حتما إلى المزيد من الفوضى التي سيجد الجيش ومؤسسات الدولة السودانية صعوبة في التعامل معها.

وقال المحلل السياسي السوداني المعز حضرة إن الاتهامات الظاهرة بين كيكل وجبريل ضمن خلافات أخرى بين المجموعات المسلحة التي تشارك إلى جانب الجيش في القتال، وليست جديدة أو مفاجئة إذ أن التقديرات تشير إلى وجود أكثر من 100 ميليشيا ومجموعة مسلحة تدّعي أنها تقاتل مع القوات المسلحة، وتتصارع على المصالح الاقتصادية والسلطة وليست لها أهداف قومية موحدة، والأمر ذاته بالنسبة إلى التحالفات التي ينسجها الدعم السريع التي سوف تقود إلى صراعات مماثلة.

وأوضح حضرة في تصريح لـ”العرب” أنه كلما ذهبت الأوضاع نحو الاستقرار في السودان طفت تلك الخلافات على السطح لأن كل مجموعة تبحث عن نصيبها من السلطة والثروة، كما أن الكتائب الإسلامية التي تلوّح بزيادة عددها إلى نصف مليون مقاتل ستمنع أيّ محاولة لإقامة دولة مدنية، والقائمون على أمور السلطة في السودان لا يستفيدون من أخطائهم ويمشون على نفس الطريق الوعر.

وأشار إلى أن الحكومة السودانية لا تعير اهتماما للخلافات بين كيكل ووزير المالية أو الوضع بالنسبة إلى الخلافات الأخرى بين حلفائها، لكن ظهور الاتهامات للعلن يعني أن هناك بداية لفتنة قد تترتب عليها صراعات وانشقاقات، وكان من المتوقع أن تحسم الحكومة هذه الخلافات سريعا، ما يجعل هناك قناعة بأن الحل في عودة العسكر إلى الثكنات والمدنيون إلى إدارة مشروعات كبرى بما فيها مشروع الجزيرة.

ولا يستبعد البعض من المراقبين إقدام كيكل على إعلان انشقاقه عن الجيش في ظل توالي الخلافات، ما يبعثر أوراق الصراع في السودان، خاصة وأن ولاية الجزيرة ذات أهمية إستراتيجية وسهّلت مهمة الجيش في التقدم نحو الخرطوم، كما أن وجود خلافات مع مجموعات أخرى يجعل الصراع على الولاية من جانب حركات مسلحة تبحث عن موطئ قدم حال فقدت مناطق سيطرتها العسكرية في إقليم دارفور.

وأكد كيكل في تصريحاته رفض تقاسم حقوق الجزيرة مع من لم يكن لهم دور فعلي في ساحات النضال، في إشارة إلى الحركات الموقعة على اتفاق جوبا، ودعا المزارعين إلى تشكيل لجنة باسم مشروع الجزيرة للمطالبة بحقوقهم.

وذكر عضو تنسيقية “تقدم” اللواء كمال إسماعيل أن نشوب صراع بين حلفاء الجيش أمر وارد، وقادة الحركات المسلحة يهدفون إلى تعويض تراجع قدراتهم العسكرية ونفوذهم في مناطق سيطرته بالزحف نحو السلطة والحصول على المال، وتراجع الولاءات القبلية لهم في مناطقهم، وكل طرف يحاول تحصين نفسه بالوصول إلى السلطة وحشد أكبر مجموعات قبلية تخوض صراعا تغلب عليه الصفة الأهلية.

وأوضح إسماعيل في تصريح لـ”العرب” أن الأيام المقبلة قد تشهد خلافات بين مجموعات مسلحة ربما تأخذ طريقها نحو الانفجار، وما يغذي ذلك أنها تعاني خلافات داخلية بما فيها الحركة الإسلامية ذاتها التي أصبحت جزرا منعزلة وأن الفشل في توحيد المواقف يولد المزيد من الصراعات، وهو ما ستكون نتائجه حدوث انشقاقات في صفوف المتحالفين مع الجيش.

وتعد هذه الانقسامات أمرا بالغ الخطورة، لأنها قد تقود إلى حرب أهلية يكون فيها السودان مهيأ للتقسيم بسهولة، ما يجعل القوى المدنية تنادي بشكل مستمر بضرورة وقف الحرب، لأن استمرارها يؤدي إلى تقسيم البلاد قبليا ومناطقيا، ومن يرفضون وقف الحرب من أتباع الحركة الإسلامية يدركون أن مصالحهم تكمن في استمرارها على الوضع دون الوصول إلى وضعية تضمن محاسبتهم على الجرائم المرتكبة بحق السودانيين.