كتابات وآراء


الجمعة - 18 أبريل 2025 - الساعة 08:01 م

كُتب بواسطة : ياسين سعيد نعمان - ارشيف الكاتب



لم يدرك أولئك الذين رفعوا شعار " الانسانية" الملتبس في وجه قوات الشرعية وهي على خطوات قليلة من استعادة الحديدة وموانئها عام ٢٠١٨ أنهم سيجدون أنفسهم في مواجهة مع أولئك الذين منحهم ذلك التدخل باسم الانسانية الوقت ، والفرصة ، والحجة ، والسلاح لاستعراض عضلاته كجزء من مشروع إقليمي تخريبي توسعي تقوده إيران ضد المصالح الإقليمية والدولية ، وذلك بعد أن استكمل استعراض عضلاته على الشعب اليمني بسلاح ايران ومظلة "الانسانية" الملتبس ، والتي توسعت ، بعد ذلك ، لتغطي كل الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها الحوثي بحق اليمنيين .

وليس غريبًا أن تكون المواجهة في نفس المكان الذي رفع فيه "قفاز الانسانية" يومذاك في وجه قوات التحرير ، لتؤكد للذين لم يستوعبوا خطورة هذا المشروع حينئذ ، بل واستخفوا بالدماء التي سالت حتى ذلك الوقت لمواجهته ، أن الثمن الباهض الذي دفعه اليمنيون ، ولا زالوا يدفعونه إلى اليوم ، بما في ذلك ميناء رأس عيسى الذي بني من عرق وجهد وكفاح اليمنيين، يعود سببه إلى تجاهل البعض استيعاب الطبيعة المليشاوية المغتصبة للسلطة ، والتي تتناقض موضوعيًا مع مكون الدولة ومؤسساتها الدستورية وعقدها الاجتماعي .

فالدولة لديها حساسية عالية ، واستجابة سريعة ، تجاه ما يُعرِّض شعبها ومصالحه للخطر . ومؤسساتها الدستورية مسئولة عن حمايته وحماية مصالحه من أي خطر تتعرض له .. وفي سبيل ذلك فإنها تتجنب كل ما يمكن أن يقود إلى هذه المخاطر ، وتحسب حساب كل ما من شأنه أن يعرضه للخراب ، أو يفقد الشعب حقه في ممارسة حياته الطبيعية ، وفي إطارها حقه في نقد ومقاومة أي إنحراف عن أداء هذه المسئولية التي تنتظم في نطاق ما يعرف بالعقد الإجتماعي .

على نقيض من ذلك نجد أن المليشيات ، المغتصبة لسلطة الدولة ، تقوم على منهج مختل في علاقتها بالشعب ، كما أنها لا تتمتع وفقًا لذلك بأي حساسية ، أو استجابة ، لحمايته والدفاع عن مصالحه .

كل ما يهمها هو حماية مصالح الجماعة التي تنتمي إليها ، وكل ما عدا ذلك فإنه إنما يُستخدم كدروع لحماية الجماعة ، وخسارة أيٍّ منها لا تعني لها أكثر من فقدانها درعًا لا تنتمي إليه ، ولا ينتمي إليها .

وهنا بيت القصيد فيما نعنيه بحساسية الدولة تجاه أي خسارة يتعرض لها الشعب ومصالحه ، وكيف أن أي خسارة من هذا النوع تهزها من الأعماق ، وقد تسقط السلطة الحاكمة . بينما تفتقر السلطة المليشاوية لهذه الحساسية تجاه ما يتعرض له الشعب ومقدراته بسب الفجوة الكبيرة بين مصالح الشعب ومصالح الجماعة ، وبالتالي فإنه لا يسقطها سوى ضرب مصالحها المباشرة .

لا تخطئوا مرة أخرى في معرفة طبيعة هذه المليشيات ، مرة باسم الانسانية ، ومرة أخرى بالنظر إليها ك"دولة" كما لو أنها تتمتع بدرجة ما من الحساسية تجاه مقدرات الشعب .

لقد استفادت في المرة الأولى من قفاز "الانسانية" الملتبس ، وقد تستفيد هذه المرة من أي مقارنة ملتبسة مع الدولة لتبدو كما لو أن لديها أي حساسية تجاه مقدرات ومصالح الشعب .