منوعات

الثلاثاء - 25 مارس 2025 - الساعة 09:10 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


فتح حكم قضائي مصري بإثبات علاقة زواج عرفي تنصل منها الزوج، الباب لنقاش حول اعتراف محاكم الأسرة بالزواج السري وما يترتب عليه من إنجاب، بالمخالفة لقناعات الأزهر ورؤية دار الإفتاء من أن الزواج العرفي محرم شرعا، وباطل وإن نتج عنه أبناء، لكن جاء الإنصاف القضائي للمرأة المتزوجة سرا لينهي معاناة الكثير من السيدات.

لجأت امرأة مصرية إلى محكمة الأسرة في القاهرة لتطالب بإثبات زواجها من رجل يصر على إنكار نسب الابن لأن العلاقة سرية وليست موثقة، وقدمت السيدة صورة من عقد الزواج العرفي الذي أقر بها الرجل، فأصدرت المحكمة حكما بصحة الزواج والتوجيه بتوثيقه وإثبات نسب الطفل لأبيه، بلا اعتبار للزواج إن كان عرفيا أم رسميا.

وأثار الحكم القضائي نقاشا بين مؤيدين ورافضين للصيغة التي صدر بها، ورأى فريق أن محكمة الأسرة ردت الاعتبار لآلاف الأطفال ممن يعيشون حياة بائسة دون ذنب لأنهم أبناء زواج عرفي، بينما رأى فريق آخر أن الحكم قد يزيد الزواج العرفي انتشارا بين الفتيات والشبان ممن لا يستطيعون تحمل تكاليف الزواج الرسمي.

وقالت المحكمة إن عقد الزواج شرعا هو عقد رضائي يقوم على الإيجاب والقبول، واشتراط القانون توثيق هذا العقد لا ينفي عنه الصحة، ولا يوجد تعارض بين الشروط الموضوعية لصحة الزواج والشروط الشكلية أو الإجرائية لتوثيق العقد، ما يعني أن ما تقرره الحكومة والمؤسسات الرسمية حول شروط الزواج لا علاقة له بإثبات علاقة زوجية قائمة.

ويتناقض الحكم بشكل كبير مع توجهات الأزهر الذي أثار جدلا واسعا حول آلية تصدي المجتمع للزواج العرفي، بعدما استقر رأيه النهائي قبل ثلاث سنوات على اعتبار هذا الزواج في حكم الزنا، وأن هذا الوصف يقي الأسر والمجتمع بشكل عام من سوءات تلك الخطيئة، ويجبر كل طرف على التفكير قبل الزواج بشكل سري.

وجاء حكم القضاء الأسري الأخير متسقا مع ما سبق أن أقرته محكمة القضاء الإداري المصرية من أحقية الزوجة العرفية في إدراج طفلها في سجلات الدولة بقطع النظر عن طبيعة الزيجة، ولا بد أن ينتسب الطفل لأبيه للحصول على رقم قومي وإثبات تحقيق الشخصية، مع إلزام وزارة التعليم بقبول الطفل بإحدى المدارس.

وعكست القضية شجاعة الزوجة، لأنه ليس مألوفا في مصر أن تقف امرأة أمام قاض أسري وتعترف بزواجها العرفي وتطلب إثبات العلاقة والنسب، بحكم أن هذا الزواج يتم باتفاق في الخفاء، ولا أحد يعلم به سوى مجموعة قليلة من الدائرة المقربة للزوجين، لكن المحكمة أنصفت الزوجة بعد أن تعاملت مع المسألة على أساس أن الزواج تكفيه ورقة وشهود.

وتفتقد نسبة كبيرة من المصريات المتزوجات بطريقة عرفية وجود مظلة قانونية تسهّل عليهن إثبات العلاقة أو حتى التحرر من الزواج السري دون خسائر شخصية أو عائلية واجتماعية، لأن الكثير من التشريعات الأسرية ليست مرنة مع الزوجة العرفية ولا تتعاطى مع أذاها النفسي هي وأطفالها، بدعوى أن الزواج ليس موثقا في سجلات الحكومة.

ويعني منح القضاء الأسري للمتزوجة عرفيا الحق في إثبات العلاقة وإن أنكرها الرجل وما ترتب عليها من إنجاب أبناء أن الكثير من النساء ضحايا العلاقات السرية أصبحت لديهن مظلة قانونية يمكن الاستناد عليها لحمايتهن من بطش الرجال والتلاعب بهن بالتنصل من الزواج كليّا، أو رفض منحهن الحد الأدنى من حقوقهن الشرعية أو حتى الاعتراف بالأبناء.

ويرى حقوقيون معنيون بشؤون الطفل أن العبرة في إنصاف الزوجة المتزوجة عرفيا وإقرار ثبوت الزيجة أن يتم حفظ حقوق الأبناء وتمتعهم بجميع الخدمات والمزايا التي يحصل عليها غيرهم، بعيدا عن شكل العلاقة الزوجية، والأهم أن يُحفظ حق الصغير في أن يكون منتسبا لوالدين شرعيين بعيدا عن الارتكان لرؤى تعتبر تلك العلاقة زنا.

وكانت أحدث صدمة دينية للنساء المتزوجات عرفيا عندما قال مفتي مصر نظير عياد قبل أيام إن الزيجات السرية باطلة ومحرمة شرعا، وما يترتب عليها أيضا، ما عمق مخاوف الزوجات من مصير أبنائهن لأن تلك الفتوى تعني ضمنيا بطلان العقود العرفية ولا يحق للأبناء أن ينتسبوا لآبائهم، وهي قاعدة نسفها القضاء الأسري.

ومن شأن الحكم الأخير أن يوقف بعضا من سوء المعاملة التي تتعرض لها الكثير من المتزوجات عرفيّا في مصر على أيدي أزواجهن، باعتبار أن العلاقة ليست موثقة وكان يمكن أن يُنكر أي رجل الزواج وما نتج عنه من أبناء، لكن ميزة الحكم أن القضاء أقرّ سابقة بإنصاف المرأة وأولادها ولو كانت تمتلك الحد الأدنى من الأدلة التي تُثبت العلاقة الزوجية.

وقال استشاري العلاقات الأسرية في القاهرة علاء الغندور إن توثيق الزواج العرفي بقرار قضائي توجه إنساني مهم، ويمهد بشكل كبير لتغيير نظرة المجتمع للمتزوجة عرفيا، ويتم وصمها دينيا دون النظر إلى ظروفها والأسباب القاهرة التي دفعتها إلى ذلك، وما حدث رسالة تفيد بصعوبة مواجهة الزواج العرفي بالترهيب والتحريم فقط.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن القيمة الأكبر مرتبطة بإنصاف أبناء الزواج العرفي قضائيا، لأن الحكم الديني ببطلان تلك الزيجات قد يضر بسمعة أبناء الزواج السري وضياع حقوقهم القانونية والاجتماعية، فكيف ينظر المجتمع لمن نتجوا عن عقد زواج غير شرعي. وكان لا بد من معالجة قانونية لما يصدر من أحكام فقهية لا تحل المشكلة.

وأكدت الواقعة أن القانون المصري وإن كان يتحرك في الكثير من أحكامه من منظور الشريعة الإسلامية وفق ما تنص عليه مواد الدستور، لكنه أيضا لا ينظر إلى خطأ الأبوين ويتمسك بأن يراعي فقط مصلحة الطفل حاليا ومستقبلا، باعتبار أنه لا يمكن معاقبته بذنب أب وأم تزوجا بطريقة لا يقرها القانون وألزم الدولة بتوفير حقوقه كاملة.

ومن المستبعد أن يتسبب الحكم في فتح المجال أمام زيادة معدلات الزواج العرفي في مصر، وإن جاء منصفا لحق المرأة، لكنه انتصر للطفل وليس للزوجين، ثم إن القضاء بذلك لم يقنن هذا الزواج، لأن تدخله مرتبط بأبعاد إنسانية، وما كان يحدث من قبل هو عدم قبول تسجيل الطفل في سجلات الحكومة حتى إثبات البنوة.

ويرى متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن إنصاف الزوجة العرفية بتوثيق الزيجة وجعلها مشروعة وما يترتب عليها من آثار لتصبح كالمتزوجة رسميا، تصرف إنساني من القضاء لتحرير كل امرأة تزوجت سرا من القيود الواقعة عليها نفسيا واجتماعيا ليحق لها أن تعيش في أمان بدلا من أن تُكمل حياتها أسيرة رجل يبتزها بعلاقة غير رسمية.

وبعيدا عن تداعيات الحكم، سوف تظل العبرة في حصول المتزوجة عرفيا على حقوقها كأي زوجة رسمية وأن تمتلك شجاعة المواجهة وتتحلى بالجرأة في مطاردة الرجل الذي يتنصل من العلاقة وتبعاتها، لأن المشكلة في استسلام شريحة لابتزاز الزوج خوفا من الفضيحة مع أن الإنصاف القضائي جاء مكافأة لامرأة شجاعة.

• أحمد حافظ