عرب وعالم

الخميس - 01 فبراير 2024 - الساعة 01:57 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


عكست هجمة برلمانية ضد بعض وسائل الإعلام حجم الغضب الواسع من غياب الحد الأدنى من المهنية والموضوعية التي تتيح للمنابر الإعلامية القيام بدور فاعل في حشد الناس للمشاركة في مواجهة التحديات، حيث اتهمت بتجهيل الجمهور وتغييب وعيهم ونشر الخرافات.

ويناقش مجلس النواب طلب إحاطة موجها لرئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي، ومسؤولي المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، بشأن استضافة دجالين وعرافين ومنجمين على القنوات الفضائية، ما يشكل خطورة على الوعي المجتمعي.

وقال نواب إن هناك أزمة شديدة ترقى للظاهرة في عديد من القنوات الفضائية، حيث يستضيف مقدمو برامج منجمين للحديث عن مستقبل الوضع الاقتصادي في البلاد ومصير الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، والتشاور حول مستقبل المنتخبات المشاركة في بطولة كأس الأمم الأفريقية.

ومنذ توقع العرافة ليلى عبداللطيف مع الإعلامي عمرو أديب خلال برنامج “الحكاية” على فضائية “إم بي سي – مصر”، ليلة رأس السنة الجديدة، بطلاق الفنانة ياسمين عبدالعزيز من زوجها الفنان أحمد العوضي، يحل عدد من قراء الطالع ضيوفا على بعض البرامج التلفزيونية، ويطلون أيضا على الجمهور من خلال صحف ومواقع إخبارية للحديث عن قضايا حيوية تشغل بال الناس.

وصدقت توقعات عبداللطيف، وانفصلت ياسمين عبدالعزيز عن زوجها العوضي قبل أيام، ما جعلها ضيفة في وسائل إعلام أخرى، تتصدر عناوين البرامج والأخبار لتتحدث في الرياضة والسياسة والاقتصاد والفن، ولها جمهور ينتظر منها التوقعات وتمثل لبعض المنابر الإعلامية فرصة ثمينة لجذب المزيد من المشاهدات.

ويرتبط الغضب البرلماني بأن مجرد تطرق منابر إعلامية، يفترض أنها مؤثرة، لمناقشة قضية السحر والدجل واستضافة عرافين وتقديمهم للناس على أنهم يمتلكون قدرات خارقة يكرس لدى الجمهور ثقافة الاستعانة بهؤلاء في كل ما يخص أمورهم الحياتية. وهذه كارثة عندما تكون الجهة المفترض بها مواجهة الخرافات، هي من تروج لها.

وهناك برامج وصحف إلكترونية متخصصة في الترويج لقراءة الطالع، وتدعو المشاهدين للحصول على استشارات كبار العرافين لحل المشكلات، وتحدد طريقة الوصول إليهم دون توجيه خطاب مستنير إلى الناس بأنه مهما صدقت توقعات هؤلاء، فهم عاجزون عن قراءة الغيب.

وبات الإعلام متهما بمشاركة الدجالين وقائع الاحتيال على المواطنين، كونه يروج لأفكارهم ويقنع الجمهور بأنهم شركاء في حل المشكلات. ما يدفع أصحاب المستوى التعليمي المتدني إلى التهافت على تلك الفئة، وصار إنفاق الأسر المصرية على الدجل يحتل المرتبة الخامسة بعد التعليم والغذاء والدواء والاتصالات.

وتعد أزمات الإعلام المصري أكبر من الحديث عن غياب المهنية التي تزيد تغييب الوعي وترتبط بتدني شعور المواطن بأن الدولة تملك فعلا منابر مؤثرة، لكنه أصبح يسير في طريق لا علاقة له بالدور الذي يفترض القيام به لا على مستوى تثقيف الجمهور أو بث ثقافة التفاؤل بأسس علمية، بل يعتمد على الخرافات ليحجز لنفسه مكانة من نسب المشاهدات.

وثمة صحف وبرامج لا تتناول قراءة الطالع لقضية بعينها مرة واحدة، بل تتابع كل تفاصيلها وتعيد نشر توقع العراف على مدار اليوم، لأنه يحظى بإقبال جماهيري، إذا ارتبط الأمر بموضوع يتعلق بالواقع الاقتصادي، إذ تلعب بعض المنابر على وتر حالة الإحباط عند الناس، فيصدرون لهم العراف لبث التفاؤل.

لم تصدر أي جهة مشاركة في تنظيم المشهد الإعلامي تحذيرا أو تلويحا بفرض عقوبات على المنبر الذي يتعمد تغييب الوعي بنشر الخرافات، بينما اعتاد المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام إحالة بعض مسؤولي المواقع الإخبارية المستقلة إلى التحقيق بدعوى نشر أخبار مغلوطة أو مجهولة المصدر تمس الأمن القومي، دون إدراك لكون تغييب الوعي خطر على الأمن المجتمعي أيضا.

ما يلفت الانتباه أن قضية الوعي حاضرة في أغلب خطابات الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي التي تنقلها وسائل الإعلام، ما يعكس وجود فوارق شاسعة في فهم النظام لقضية الوعي ومخاطر تغييب الناس على الأمن والاستقرار، وبين المسار الذي يسلكه الإعلام في ذات القضية مع ارتفاع نسبة الأمية، ما يجعلهم يصدقون أي شيء.

ويؤمن بعض مسؤولي وسائل الإعلام بأن الاهتمام بالمواضيع المثيرة حل لعودة الجمهور لمتابعة صحفهم ومواقعها الإلكترونية وبرامجهم التلفزيونية، واستقطاب الناس بعيدا عن منصات التواصل التي بدت في منافسة يومية مع الإعلام التقليدي لنشر مزيد من الإثارة.

وتقول بعض الأصوات إن الإعلام المصري مغلوب على أمره، فهناك عوامل خارجة عن إرادته جعلته شريكا في غياب الوعي مع توجيه الرسالة إلى ناحية بعينها وإلزامه بالعمل في إطار لا يسمح له بحرية التحرك والتوغل في المحتوى المقدم للجمهور، وأي إعلام يريد النجاح عليه أن يتحرر من القيود أولا.

ويرفض خبراء إعلام الترويج لمثل هذه الحجج، لأنه لا يمكن تبرير الإثارة والدجل والتركيز على القضايا الشاذة بتراجع حرية الرأي والتعبير أو تصوير المجتمع على أنه مغيّب ويلهث وراء الخرافات، لأنه يعطي صورة سيئة عن المجتمع والدولة، مع أن هناك تحديات يفترض أن يقوم الإعلام بمشاركة الناس في حلها علميا.

أكد حسن علي أستاذ الإعلام بجامعة السويس (شرق القاهرة)، أن هناك فهما خاطئا لاحتياجات الجمهور من إعلامه في ظل العقبات الراهنة، فهو يبحث عن منابر لها مصداقية ورصانة في طرح المشكلة وحلها، لا تسطيح الأمور والبحث عن مشاهدات واستضافة شخصيات تنتصر للصحافة الصفراء التي تستهويها الإثارة.

وقال لـ”العرب”، وهو أيضا رئيس جمعية حماية المشاهدين، إن الحجة الحاضرة عند بعض وسائل الإعلام في مصر تقديم ما يطلبه الجمهور، مع أن ذلك لا علاقة له بالمهنية، ولا يعني أن هناك شريحة شغوفة بالإثارة أن تقدم لها الإثارة عبر الإعلام، وأي محاولة لتسطيح التحديات دون توعية الجمهور بها يشكل خطورة، لأنه من المفترض تثقيف الناس تجاه القضايا التي تمس حياتهم ووطنهم، لا تغييبها عنهم.

وتظل هناك مشكلة معقدة ترتبط بوجود قناعات شخصية عند مسؤولين عن إصدارات صحافية وبرامج تلفزيونية، بأن التركيز على الإثارة توجه لا تغضب منه الحكومة كنوع من إلهاء الناس وعدم تركيزهم على المشاكل الاقتصادية والسياسية، مع أن الرئيس السيسي سبق ووجه لوما قاسيا للإعلام بسبب ما يقوم به من تشويه لصورة المجتمع وتقديم محتوى يغيب العقول.

ومهما كانت بعض وسائل الإعلام منفلتة، فذلك لا يبرئ شريحة معتبرة من الجمهور، لأن الإقبال بكثرة على الموضوعات المثيرة يوحي للمسؤولين عن تلك المؤسسات الإعلامية بأن الناس ترغب في المزيد، مع أنهم لو قاطعوا هذا المحتوى الشاذ لما تسابقت الصحف والبرامج لاستضافة شخصيات اعتادت اللعب على وتر الأمية المجتمعية من خلال منابر إعلامية لا تتمتع بالمهنية.