عرب وعالم

الخميس - 20 أكتوبر 2022 - الساعة 06:02 ص بتوقيت اليمن ،،،

علي الصراف


مراجعة العلاقات مع السعودية التي يعتزم الرئيس الأميركي جو بايدن إجراءها مع الكونغرس، مفيدة للغاية. إنها أول مناسبة للتفكير الحر بين قادة الحزبين لمعرفة ما هي أهمية السعودية بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وما هي مكانتها في المنطقة.


دول المنطقة نفسها في حاجة إلى مراجعة العلاقات مع الولايات المتحدة. هذه المراجعة مفيدة أكثر. على الأقل لرسم حدودٍ إلى المدى الذي يمكن للعلاقات مع واشنطن أن تتدهور.

الانتقادات والتهديدات للسعودية ليست جديدة. وهي لا تقتصر على طرف دون آخر. الجمهوريون والديمقراطيون كان لهم قسط متساو من النظر إلى السعودية على أنها دولة تصلح لممارسة أعمال الابتزاز الأمني ضدها.

المسؤولون السعوديون اعتادوا على ذلك. اعتادوا أيضا على أن يسمعوا شيئا، عبر وسائل الإعلام التي تروج للكراهية ضد السعودية، وأن يسمعوا شيئا آخر من المسؤولين الأميركيين أنفسهم عندما يقومون بزيارة الرياض. ولكنهم اعتادوا، أهم من ذلك، على النظر في “الأساسيات”، لا إلى ما يقال من حولها. ولأن الأساسيات لم تتزعزع، فقد حافظوا باستمرار على التعامل بهدوء وحرص مع كل الإدارات الأميركية. وحافظوا على أواصر التحالف الإستراتيجي ولم يهددوا لا بتدميرها ولا باستبدالها، ولا حتى استخدموها للضغط على البيت الأبيض.

صحيح أن الرئيس بايدن حرص على أن يتصرف بمقدار أوضح من العداء المسبق، إلا أنه فعل ذلك لأسباب تتعلق بعجزه هو عن بناء رؤية خاصة به للعلاقات الخارجية خارج إطار الأسس التي وضعتها إدارة باراك أوباما. الرجل، في هذه الناحية، ما يزال يتصرف كنائب للرئيس. وبمقدار ما يتعلق الأمر بالسعودية، فإنه مشدود بحبال المفاوضات السرية مع إيران منذ ما قبل توقيع الاتفاق النووي في العام 2015، أيام تعمدت إدارة أوباما أن تدير الظهر للسعودية.

تحملت السعودية هذه الإدارة لثماني سنوات. ولم تتصدع الروابط. وكانت شخصية أوباما سببا ساعد على ذلك. فهو مرح ومرن وإيجابي ودبلوماسي اللغة. بينما نائبه مكتئب ويعاني من تصلب شرايينه السياسية وسلبي وقبيح اللغة. ولهذا السبب وجد نفسه، يقول، منذ أيامه الأولى في الرئاسة، إنه سوف يعامل السعودية كدولة “منبوذة”.

خلال سنة ونصف السنة من السلطة، اكتشف بايدن شيئين. الأول، السعودية، لم تلتفت ولم تتأثر. والثاني، أنه نبذ نفسه، حتى أن الرياض رفضت استقبال عدة مبعوثين له ومن بينهم وزير دفاعه، وتعمدت تجاهل مساوماته حول التسلح.

وعندما اختار أن يأتي بنفسه إلى الرياض في يوليو الماضي، فقد سعى إلى طي الصفحة التي لوثها بنفسه. فلما عاد خائبا، عادت الكآبة لتغلب على دوافعه.

إعلان “أوبك ” خفض الإنتاج بمليوني برميل يوميا، كان مجرد فرصة للتنفيس عن انفعالاته الشخصية. لأن كل العوامل الموضوعية الأخرى لم تكن لتبرر الدعوة إلى ما يشبه التهديد بزعزعة “الأساسيات”. فالولايات المتحدة، يمكنها بسهولة أن تزيد المعروض لخفض الأسعار. وهي تفعل ذلك باستمرار باستخدام احتياطاتها الضخمة. كما أن سوق النفط لا تعاني من نقص أصلا. ومع مظاهر الركود المتواصلة، فإن الفائض هو المشكلة، وليس العكس. وإذا كانت هناك أسباب تقف وراء ارتفاع الأسعار، فإنها أسباب تتعلق بارتفاع أسعار الغاز أولا، وبنقص في عمليات التكرير ثانيا، والتضخم ثالثا. وهذه أمور خارجة عن إرادة “أوبك ”، وبكل تأكيد لا علاقة للسعودية بهما.

الدعوة إلى “مراجعة العلاقات مع السعودية” يمكنها أن تشكل منعطفا مهما في التفكير الأميركي حول سبل التعامل، ليس مع السعودية وحدها، وإنما دول الخليج الأخرى، بل ومنطقة الشرق الأوسط برمتها.

لا تملك إدارة بايدن إستراتيجية واضحة حيال هذه المنطقة الحيوية في العالم. هنا تكمن العقدة الأهم.

ممارسات الابتزاز التقليدية تجاه السعودية ودول الخليج لم تعد تنفع. المصالح المتبادلة تُحترم عندما تُحترم فعلا كمصالح متبادلة.

السعودية لا تخسر شيئا إذا ما اختارت الولايات المتحدة أن تزعزع الأساسيات، لأنها تمتلك من السعة ما يسمح لها بالمحافظة على أساسياتها الأمنية والدفاعية من دون الحاجة إلى الولايات المتحدة.

إدارة الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد لهذه الأساسيات اختلفت جذريا عما كانت عليه في العهود السابقة. لقد أصبحت إدارة شراكات إستراتيجية، لا إدارة قبول بالإملاءات. السعودية بهذين القائدين لم تعد كما كانت من قبل. إمكانياتها اختلفت، وتطلعاتها اختلفت معها، كما توسعت أمامها الفرص.

قادة الكونغرس سوف يعثرون على هذه الحقيقة، من أول جمل التفكير بمراجعة العلاقات مع السعودية. سوف يكتشفون أن السعة التي كان للولايات المتحدة النصيب الأكبر فيها يمكنها أن تعثر على بدائل تستغني، لو اقتضى الأمر، عن كل شيء تقدمه الولايات المتحدة. والخيار بسيط: إما علاقات مصالح متبادلة على أسس الشراكة والاحترام المتبادل، أو “حلوا عن سمانا”.

أعمال الابتزاز لم تعد تنفع، أولا، لأن ضرع استحلابها جف تماما. انظر إلى ما انتهت إليه قضية جمال خاشقجي. لقد جفت وتيبست وصارت غبارا. وثانيا، عالم اليوم، لم يعد عالم الأمس. الاستقطابات الدولية الحادة، إنما تقف خلفها خيارات وبدائل إستراتيجية فسيحة. انظر في الصفقة الأخيرة للسعودية مع جنوب أفريقيا. تفاهمات التعاون التي تشمل السلاح والطاقة الذرية قالت ببساطة: الطريق المفتوح مع بكين إذا كان مرعبا بالنسبة إلى واشنطن، فإنه مفتوح مع جوهانسبرغ. الإمارات سبقت ذلك بزيارة الرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى باريس في يوليو الماضي. وهي زيارة قالت: إذا كانت واشنطن تتردد في تنفيذ صفقة “أف 35”، فغيرها متاح.

الأمر لا يقتصر على بكين ولا حتى موسكو. نحن في عالم آخر، وبدائله كثيرة.

أجواء الاستعداء ضد السعودية في الولايات المتحدة هي التي فتحت الطريق إلى هذه البدائل. ولقد شاء قادة الحزبين، كل على انفراد، أن يطلقوا النار على مصالح بلادهم بعيشهم المريض على ثقافة التهديد والابتزاز.

الانقلاب على السعودية، سوف يعني انقلابا على دول الخليج الأخرى. أبوظبي أرسلت أولى الإشارات بهذا المعنى عندما دعمت موقف الرياض من تخفيضات “أوبك ”.

هذا الانقلاب سوف يعني انقلابا على دور ومكانة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط برمته أيضا.

الرياض حجر زاوية كبير في هذه المنطقة. إنها الحجر الأكبر إستراتيجيا واقتصاديا.

لا الأزمة مع إيران، ولا في اليمن، ولا أزمة المنطقة مع إسرائيل، في حاجة إلى الولايات المتحدة، للمساعدة فيها. هذا دور انتهى أمره فعليا.

سوف يتاح لقادة الحزبين في الكونغرس أن يلاحظوا ذلك في أول فرصة للتفكير الحر، ليكتشفوا…

1ـ أن بلادهم بلا وزن حقيقي في هذه المنطقة، لأنها بلا إستراتيجية مناسبة أصلا، وأن إدارة بايدن ضائعة تماما في كل خطواتها هناك.

2ـ أن حجر الزاوية السعودي أصلب من أن يتزعزع بسياسات العداء وأعمال الابتزاز.

3ـ أنهم، لكي يعززوا مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، يجب أن يبنوا علاقات شراكة محترمة مع الرياض وأبوظبي لأنهما، حيال بعضهما، في سلة إستراتيجية واحدة.

شيء مفيد تماما أن تُجرى تلك المراجعة. بل إنها مفيدة على أي وجه انتهت.