منوعات

الجمعة - 11 أبريل 2025 - الساعة 06:58 م بتوقيت اليمن ،،،

أحمد حافظ


حمل إعلان المجلس القومي للأمومة والطفولة في مصر حول إحباط عدة محاولات لختان الإناث في مناطق حضرية، انتكاسة لخطة الحكومة التي تستهدف محاصرة تلك العادة السيئة في أماكن ريفية وشعبية وقبلية، ثم وجدتها تنتقل إلى مناطق معروف عنها الوعي والثقافة والتحضر، رغم انحسارها في بعض الأقاليم التي ترتفع فيها معدلات الأمية.

وقاد تدخل مجلس الطفولة إلى منع إجراء الختان لأطفال في محافظات القاهرة والإسكندرية والقليوبية، وهي أقاليم حضرية، اعتادت الحكومة عدم التركيز على الخطاب التوعي الخاص بالختان فيها لأن أغلب سكانها متعلمون ولديهم من الوعي والفهم والإدراك ما يكفي ليحصنهم ضد عادات وثقافات سلبية متوارثة.

جاء ذلك بعد أن أعلنت الحكومة المصرية نجاح إستراتيجية مواجهة ختان الإناث في الكثير من البيئات الريفية والشعبية التي كان معروفا عنها تقديس عادة الختان، حيث تراجعت نسبة الاقتناع بهذا السلوك السلبي من 37 في المئة إلى أقل من 14 في المئة، ما يعني أنها موجودة على نطاق ضيق، وكانت نادرة في المناطق الحضرية.

وعدّلت المؤسسات الصحية والهيئات المعنية بشؤون الطفولة في مصر خطابها التوعوي مع تمرد بعض الأسر على العقوبات التي تقرها التشريعات الخاصة بمواجهة الختان، وقررت النزول إلى المناطق المعروفة عنها كثرة جراحات الختان، وبدأت تقديم خطاب مباشر، ساهم في تراجع المعدلات، لكنها زادت في مناطق حضرية.

وأظهرت وقائع الختان في أماكن كانت مهمشة توعويا عدم فائدة العقوبات لإقناع الأسر بالعدول عن تلك العادة السيئة، وأن الخطاب المكثف يظل الحل الأمثل بقطع النظر عن منسوب الوعي والتحضر لدى السكان، لأن تهميش أي منطقة بدعوى أن أهلها متعلمون سوف يقود إلى انتكاسات تحول دون تطهير المجتمع من الختان.

وبدا واضحا أن أية تشريعات مهما كانت صرامتها يصعب أن تغير السلوكيات الأسرية الخاطئة، مع عدم وجود خطاب توعوي يلامس أفكار وقناعات ومعتقدات الشريحة المستهدفة لتغيير تصوراتها، والعبرة ليست في كون المنطقة حضرية أم لا، لأن هناك سلوكيات تنتقل مع الأسر إلى أماكن إقامتها لا تستطيع التخلي عنها بسهولة.

والتقصير الحقيقي من جانب المؤسسات المعنية بشؤون الطفل في مصر يكمن في أنها أعدت خطة واقعية لمواجهة الختان بتحديد المناطق التي تنتشر فيها تلك العادة وعقدت لقاءات مع سكانها من الشبان والفتيات الذين من المقرر أن يصبحوا أرباب أسر في المستقبل، ولم يحدث نفس الأمر في مناطق حضرية حتى جاء ذلك بنتائج عكسية.

وشارك في الوعي الميداني ضد الختان بالمناطق الريفية والشعبية والقبلية ممثلون عن المجلس القومي للمرأة ورائدات ريفيات، وأعضاء من منظمات نسائية ونخبة من المتخصصين النفسيين والاجتماعيين، ومجموعة من الواعظات اللاتي يتمتعن بفكر معتدل وثقة عند الناس، وتُرك سكان باقي المناطق بلا خطاب يمنع إعادة نشاط الختان.

ورأى متخصصون في شؤون الطفل بالقاهرة أن المؤسسات التوعوية الرسمية تتحمل الجزء الأكبر من مسؤولية انتشار عادة الختان وسط بعض الأسر الحضرية، لأنها ركزت جهودها على شريحة تنخفض فيها معدلات الوعي دون تعميم خطة المواجهة على كل الأماكن بالقدر نفسه من الاهتمام، بحجة أن الفئة الحضرية يكفي ردعها بالتشريعات التي لا يكترث بها أميون.

وتؤدي تلك المشكلة إلى أن المبررات الموجودة للختان عند سكان الريف والمناطق الشعبية والقبلية تكاد تكون متطابقة مع قناعات بعض الأسر في الحضر، بأن الختان مرتبط بشرف الفتاة وربما شرف الأسرة والعائلة كلها، أو يعود إلى أسباب دينية واهية نفتها دار الإفتاء ومؤسسة الأزهر والكنيسة، وهذا لا علاقة له بمستوى التعليم بقدر ما يرتبط بالميراث الفكري.

وجزء أساسي من نشاط الختان في بعض المناطق الحضرية يعود إلى أن الخطاب الديني لا يؤثر في قناعات الكثير من الأسر، كما يحدث عند سكان الريف والأماكن الشعبية، ثم إن المؤسسات الدينية المختلفة وإن حرمت الختان اكتفت بتلك الخطوة كأنها تبرئ ساحتها أمام المجتمع والمنظمات الحقوقية، وتوقفت عند هذه النقطة دون أن تستمر في استكمال المهمة.

ما يميز الخطاب التوعوي البسيط بشأن الختان في الأقاليم غير الحضرية هو أن المؤسسات الرسمية تستعين بشخصيات موثوق بها عند سكان كل منطقة مستهدفة، مثل كبار العائلات والمعلمين وأصحاب العقليات المتزنة المشهود لهم بالمصداقية، وهذا غير متاح بسهولة في المناطق الحضرية التي تستقل فيها كل أسرة بذاتها ولا تلتحم اجتماعيا كما يحدث في الريف.

ويعتقد متخصصون في العلاقات الأسرية بالقاهرة أن استئصال الختان كداء مجتمعي يتطلب تعميم الخطاب كعلاج ميداني على الأرض دون اقتصاره على مناطق بعينها، وإذا كانت هناك صعوبة في تحقيق ذلك بالمناطق الحضرية، فهناك وسائل بديلة مثل تضمين المناهج الدراسية أسانيدَ تطعن في الميراث الفكري للختان، لأن سكان الحضر أكثر اهتماما بالتعليم والثقافة.

وحال تنفيذ تلك الخطوة سيكون من السهل على الحكومة بمؤسساتها المختلفة الخروج من دائرة توعية الأسر ريفا وحضرا، إلى مرحلة إعادة إنتاج الفكر الأسري الصحيح، وهذا التوجه قد يكون كفيلا بالقضاء على الظاهرة ونبذها ثقافيا، إذا جرى تغيير فهم حديثي السن، وبمرور الوقت سيتولى هؤلاء مهمة تغيير العادات داخل أسرهم.

وأكدت استشارية العلاقات الأسرية وتقويم السلوك في القاهرة هالة حماد أن القضاء على ختان الإناث كليا ليس مهمة مستحيلة في المناطق الريفية والشعبية أو الحضرية، بدليل أن هناك نجاحات تحققت من خلال واقعية الخطاب التوعوي، وهذا يعني أنه لا يمكن للتشريعات أن تغير سلوكيات خاطئة بمفردها، ولو بلغت صرامتها حدا قاسيا، فالمهم الطعن في السلوك.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن الخطاب التوعوي لا يجب أن يقتصر على مناطق بعينها، لأن هناك أفكارا وقناعات تتوارث وتصبح جزءا من ثقافة الناس وإن انتقلوا من الريف إلى الحضر، أو العكس، وهذا يتطلب أن تكون الرسالة التوعوية متسلحة بالدين والطب والثقافة والتعليم وتتضمن المناهج ما ينسف أي علاقة بين سلوكيات الفتاة وشرفها وبين ختان الأنثى.

والأهم أن تكون التوعية الموجهة لمختلف الأسر، ريفا أو حضرا، مرتبطة بأن التربية الصحيحة من العائلة تحمي الفتاة من الانحراف وليس إزالة جزء من جسدها بدعوى التحكم في الشهوة الجنسية، مع تقديم ذلك خطابا مقنعا يدعم تلك الحقيقة بأمثلة حية ونسف المعتقد الخاطئ الذي يربط العفة والشرف بالختان، ولم تغيره القوانين.


المصدر: صحيفة العرب اللندنية