كتابات وآراء


الجمعة - 11 أبريل 2025 - الساعة 06:54 م

كُتب بواسطة : هاني سالم مسهور - ارشيف الكاتب



تعد منطقة القرن الأفريقي والسودان على وجه الخصوص مسرحًا متجددًا لمواجهة جيوبوليتكية مركبة، تشتبك فيها المصالح الإقليمية والدولية، ويتصدر فيها الملف السوداني مواجهة مستمرة للمعارك الميدانية والسياسية على حد سواء،

تتداخل الأجندات وتتصارع المشاريع، وتُستخدم المنصات القانونية أحيانًا كأدوات ضغط سياسي تستهدف الفاعلين الإقليميين والداعمين الحقيقيين للاستقرار، وفي مقدمتهم دولة الإمارات العربية المتحدة.

في غمرة هذا المسرح الملتبس، تسعى قوى معينة من محور الإسلام السياسي إلى تسييس المسارات القانونية واستعمال المنصات الدولية كأدوات للانتقام السياسي وتشويه دور الدول العربية، عبر تقديم شكاوى وإطلاق حملات إعلامية تستند إلى تأويلات لا أدلة، ويبرز هنا المثال الواضح في محكمة العدل الدولية، التي وُظفت من قبل جهات سودانية ذات ارتباطات أيديولوجية لضرب صورة الإمارات، متجاهلين عن عمد تاريخًا من الدعم الإنساني والسياسي قدّمته أبوظبي لشعب السودان.

تأتي المتابعة الهادئة والواثقة من قبل دولة الإمارات لمسار محكمة العدل الدولية في ملف الدعوى المقدمة ضدها، كفرصة لإظهار الفرق بين العمل الإنساني والنيات النبيلة وبين المزايدات والتسييس المركب للسياقات القانونية والإعلامية، وتدرك الإمارات أن الحقيقة لا تُحجب بالدعاوى، ولا تُشوّه بالحملات الإعلامية الممنهجة، وأن القضاء الدولي، على الرغم من إمكانية تسييسه مؤقتًا، يبقى خاضعًا في النهاية لقواعد الأدلة والحقائق لا للشعارات.

الإمارات لم تكن يومًا طرفًا في النزاع السوداني، لكنها كانت دائمًا شريكًا في مسارات السلام ووحدة السودان وسلامته، قدمت المساعدات لكافة مكونات الشعب السوداني دون تمييز، من خلال الشراكة مع الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية، تم نقل الغذاء والدواء والمساعدات الطبية من وردي والعين والمفرق وكريع العازب وعسكر وقوده وشلال إلى كافة مناطق النزاع، من دارفور إلى الخرطوم ومروي، دون انتظار ثناء أو ردّ للجميل.

إن من يحاول اليوم توجيه الاتهامات لدولة الإمارات، يتجاهل أن الدعم الإماراتي لم يرتبط يوما بخيارات سياسية، بل كان مرتبطًا بإغاثة الإنسان السوداني حيثما وجد، في دارفور، أو النيل الأزرق أو الأبيض أو العاصمة الخرطوم. ولم تفرّق الإمارات في مساعداتها بين مكوّن وآخر، بل كانت تسير دومًا وفق منطق الدولة الوطنية الجامعة.

وإذا كان الخصوم يراهنون على سيناريو الإساءة لسمعة الإمارات الدولية من خلال التلاعب القانوني، فإن الإمارات ملتزمة بأعلى معايير الشفافية والمساءلة، وهي واثقة بأن الحقائق لا تصمد أمامها الدعاوى، ولا تنتهي في قاعات المجادلات الإعلامية والسياسية، وأمام حملة تستند إلى شحن عاطفي لا إلى وقائع مثبتة فإن الصبر الإستراتيجي يبقى السلاح الأمثل.

ولعل من المهم هنا استحضار سابقة مماثلة تُبرز طريقة تعاطي الإمارات مع مثل هذه الاتهامات، ففي عام 2019، اتهمت الحكومة اليمنية، التي كانت خاضعة آنذاك لنفوذ مطلق من قبل جماعة الإخوان المسلمين، دولة الإمارات بـ”استهداف عناصرها” خلال محاولتهم اقتحام العاصمة الجنوبية عدن، وقد ردّت الإمارات رسميًا عبر بعثتها في الأمم المتحدة، مؤكدة أن الضربات الجوية استهدفت ميليشيات كانت تشكل تهديدًا مباشرًا للمدنيين، واستندت إلى القانون الدولي الإنساني في تبرير تحركها، حيث اعتبرت تلك العناصر جزءًا من جماعات مصنفة إرهابية بموجب قوائم معتمدة دوليًا.

وفي حين عجزت الحكومة اليمنية عن تقديم أيّ قائمة موثقة بأسماء العناصر التي ادعت مقتلها، التزمت الإمارات بموقف قانوني واضح، عارٍ من الانفعال، مدعومًا بالمعطيات الاستخبارية والحقائق الميدانية،

وقد أثبتت هذه الحادثة لاحقًا أن الاتهام لم يكن سوى أداة ابتزاز سياسي لا يصمد أمام اختبار الشفافية والمساءلة، واليوم، يبدو أن ذات الأسلوب يُعاد إنتاجه عبر واجهات سودانية مرتبطة بالأيديولوجيا نفسها.

وفي الوقت ذاته، تظل سياسة الرد الهادئ والرصين من قبل دولة الإمارات هي السياسة الأكثر نضجًا في واجهة من يسعون إلى تسييس كل مفهوم أخلاقي أو قانوني، لمجرد تحقيق انتصار سياسي مزيف، فالأمم لا تقوم على التشهير والافتراء، ولا على تجريم من يساهم في البناء حين يعجز الآخرون عن الفعل.

من يقرأ بتمعن تاريخ الدور الإماراتي في السودان، يلحظ كيف حافظت أبوظبي على موقف ثابت يقوم على دعم السيادة السودانية ووحدة البلاد، والمساعدة في بناء مؤسسات الدولة، وليس تقويضها أو استثمار أزماتها، وهذا ما يجعل من الدعوى المرفوعة ضدها فاقدة للمنطق السياسي، فضلًا عن غياب الأسس القانونية الصلبة.

تاريخ الإسلام السياسي في السودان، وما خلّفه من دمار ومآسٍ، يوضح من المستفيد من الفوضى، ومن يسعى لإعادة البشير وتدوير سرديات التمكين باسم العدالة، اليوم، يسعى هؤلاء إلى العودة عبر نوافذ المحاكم الدولية، بعدما لفظتهم الساحات الشعبية، ويريدون تحويل قاعات العدالة إلى منابر للابتزاز السياسي.

إن الإمارات، بخبرتها في دعم الدول المتضررة من النزاعات، تعرف جيدًا كيف تميز بين من يسعى لتحقيق استقرار حقيقي، وبين من يقتات على الانقسامات، ومع بدء جلسات النظر في محكمة العدل الدولية، تتابع الإمارات هذا المسار بثقة وهدوء، متيقنة أن ما بني على التضليل لا يمكنه أن يصمد أمام الوقائع.

الأسئلة الكبرى المطروحة اليوم هي: من الذي يستفيد من اغتيال الحقيقة؟ من الذي يحاول إلباس الإمارات دورًا لم تلعبه؟ ومن الذي يسعى إلى خلط الأوراق لإحياء تحالفات قديمة لا تعيش إلا على الفوضى؟

لقد رفضت الإمارات استخدام القانون الدولي كأداة للاستهداف السياسي، وتؤمن بأن العدالة لا تُبنى على الشكوك ولا تُقاد من غرف الإعلام المأجور، لذلك، فإن صمودها أمام هذه الحملة، وهدوءها في التعامل معها، يمثل أقوى رد على من يحاولون تسويق الوهم على أنه حقيقة.

الإمارات مع الشعب السوداني، لا مع أدوات الفوضى، والواقع أبلغ من كل ادعاء، فالدعم لا يُزوّر، والمواقف لا تُشترى، وما بُني على التضليل لا يصمد أمام تراكم الحقيقة، ولا يقوى على مواجهة من اختار الوقوف إلى جانب الشعوب في محنتها، لا فوق أطلالها، وقد قال الله في كتابه: “كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ”،

فالإمارات حق يضرب الله أباطيل الشر بها، هذا قدرها وهي تمضي لا يضرها شيء، فالله هو الحق واختارها لتكون رأس حربة في وجه الباطل تهزمه في كل أرض وتحت كل سماء، وستكشف محكمة العدل الدولية الافتراء والجرائم التي ارتكبت بحق شعب غُلب على أمره.