أخبار اليمن

الجمعة - 11 أبريل 2025 - الساعة 06:47 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


تتّجه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في مناطق سيطرة الحوثيين نحو المزيد من السوء في ظل توجّه الولايات المتحدة إلى دعم جهدها الحربي ضدهم بتشديد الخناق عليهم اقتصاديا وماليا وقطع الإمدادات عن مناطقهم، فضلا عن كون اليمن مشمولا أصلا بقرار إدارة دونالد ترامب خفض المساعدات لجميع الدول والمنظمات والبرامج الإنسانية.

ولا تبدو الجماعة مكترثة لذلك في موقف يعيد إلى الأذهان سلوك حركة حماس في قطاع غزّة وتحميلها السكان وزر الحرب التي فجّرتها ضدّ إسرائيل، وهو ما يفعله الحوثيون حاليا بمضيهم في التصعيد خدمة لأهدافهم وتنفيذا لمطالب حليفتهم إيران المتعلّقة بمصالحها وحساباتها الخاصّة والصراعات التي تخوضها.

وتتعرّض مناطق سيطرة الجماعة منذ منتصف شهر مارس الماضي لقصف عنيف ومتواصل من قبل الجيش الأميركي، الأمر الذي يعرّض حياة السكان للخطر والبنى التحتية للتدمير، على الرغم من تأكيد واشنطن حرصها على عدم استهداف المدنيين والبنى والمرافق والمعدّات غير العسكرية، وهو أمر ثبت عمليا عدم إمكانية الالتزام به بشكل كامل في عمليات القصف عن بعد مهما بلغت دقّتها.

وفي ظلّ ما يبديه الحوثيون من قدرة على الصمود في وجه القصف ومن إصرار على عدم التراجع عن مواقفهم والجنوح إلى خفض التصعيد تبرز محاصرة الجماعة في مناطقها ومحاولة حرمانها من الموارد اللازمة لجهدها الحربي كإحدى الوسائل لإجبارها على الاستسلام، وهو ما شرعت فيه الولايات المتحدة بمنعها توريد الوقود عبر الموانئ الخاضعة للسيطرة الحوثية وتوجيهها تحذيرا للدول والشركات من التعامل مع تلك الموانئ.

وقالت متحدثة وزارة الخارجية الأميركية تامي بروس في بيان إن واشنطن “لن تتسامح مع أي دولة أو كيان تجاري يقدم الدعم لمنظمات إرهابية أجنبية مثل الحوثيين بما في ذلك تفريغ السفن وتزويدها بالنفط في الموانئ الخاضعة لسيطرتها.” وأضافت بروس أن بلادها تعتبر مثل هذه الممارسات انتهاكا للقانون الأميركي.

واستند ذلك التحذير إلى التصنيف الذي أصدرته الخارجية الأميركية في مارس الماضي لجماعة الحوثي كمنظمة إرهابية أجنبية. وأشارت بروس إلى الأمر التنفيذي الذي أمضاه ترامب وقضى بأنّ “أنشطة الحوثيين تهدد أمن المدنيين والموظفين الأميركيين في الشرق الأوسط، وسلامة أقرب الشركاء الإقليميين واستقرار التجارة البحرية العالمية.”

وبدأ سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين بشمال اليمن وغربه يواجهون تبعات تباطؤ الإمدادات بسبب التضييقات على الموانئ وهو ما تجلّى في أزمة الوقود الحادّة التي بدأت تشكّل ضغطا على عصب الحياة وشرايين الاقتصاد في تلك المناطق وبالتالي على الجماعة نفسها المرشّحة لمواجهة صعوبات كبيرة في إدارة مناطق سيطرتها والحفاظ على تماسك سلطة الأمر الواقع التي تديرها على أرضها.

وبدأت الأزمة المرشحة للتفاقم خلال الفترة القادمة مع دخول قرار إدارة ترامب في وقت سابق من الشهر الجاري إنهاء الترخيص المؤقت، الذي كان يسمح بتفريغ المنتجات النفطية المكررة في الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين بغرب اليمن، حيز التنفيذ.

وقضى قرار وزارة الخزانة الأميركية بوقف التفريغ في تلك الموانئ انطلاقا من الرابع من شهر أبريل الجاري وفرض قيود على عمليات استيراد الوقود بما في ذلك حظر أي إعادة بيع أو تصدير للمنتجات النفطية المكررة من مناطق الحوثي ومنع التحويلات المالية إلى الجهات المدرجة على لوائح العقوبات.

وكان القرار امتدادا لتصنيف الولايات المتحدة جماعة الحوثي منظمة إرهابية أجنبية ووضع قياداتها تحت طائلة العقوبات الأميركية المشددة التي دخلت حيز التنفيذ منذ مطلع مارس الماضي.

وشهدت العاصمة صنعاء وعدد من المدن الواقعة ضمن مناطق الحوثيين خلال الأيام الأخيرة نقصا كبيرا في المشتقات النفطية انعكس بشكل فوري على أسعار الوقود وبدأ يؤثّر على حركة التجارة والنقل وغيرهما من الأنشطة المرتبطة مباشرة بمواد الطاقة.

وتحدثت مصادر محلية عن اضطرار العديد من محطات الوقود في صنعاء وغيرها من المدن إلى وقف نشاطها ما شكل ضغطا كبيرا على باقي المحطات وأوجد طوابير طويلة من المركبات أمامها وفي الطرق المؤدية إليها، بينما نشطت تجارة بيع الوقود في السوق السوداء التي تتحكّم فيها جهات على صلة بالحوثيين وقادرة على الحصول على المشتقات بطرق غير مشروعة.

وما زاد من تعقيد المشكلة أنّ بعض الجهات المتحكمة في توزيع النفط ومشتقاته تلجأ في سبيل مضاعفة أرباحها إلى عمليات غش في الوقود وتلاعب بجودته، حيث أصبح السكان يشتكون من رداءة المشتقات وتأثيرها السيء على مركباتهم وسائر الآلات والمعدّات التي يستخدم الوقود المغشوش في تشغيلها.

وعلى صعيد متصّل بالوضع الإنساني الآخذ في التدهور في مناطق سيطرة الحوثي حذّرت منظمة العفو الدولية، الخميس، من أن قطع المساعدات الأميركية مصحوبا بالضربات على المتمردين الحوثيين ستكون له عواقب وخيمة على الشعب اليمني الذي يعتمد أكثر من نصفه على المساعدات للبقاء على قيد الحياة.

وفرض ترامب في يناير الماضي تجميدا للمساعدات الخارجية ريثما تخضع لمراجعة. وأعلنت واشنطن عقب ذلك إلغاء ثلاثة وثمانين في المئة من برامج الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.

وأشارت المنظمة الحقوقية إلى أن الولايات المتحدة كانت على مدار عدّة سنوات أكبر مانح إنساني لليمن، ولفتت إلى أن التخفيضات تهدّد بتعميق إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. ونقلت عن عمال إغاثة قولهم إن خفض التمويل “أدى إلى توقف خدمات المساعدة والحماية المنقذة للحياة.”

ويشمل ذلك علاج سوء التغذية للأطفال والنساء الحوامل والمرضعات وتوفير ملاجئ آمنة للناجيات من العنف القائم على نوع الجنس وخدمات الرعاية الصحية للأطفال. وأضافت المنظمة أن العشرات من الأماكن الآمنة للنساء والفتيات المعنفات قد أُغلقت، محذرة من أن مرافق عدة تقدم خدمات الصحة الإنجابية أو الحماية للنساء معرضة للخطر أيضا.

وقالت الباحثة في شؤون اليمن بمنظمة العفو الدولية ديالا حيدر إنّ “التخفيضات المفاجئة وغير المسؤولة في المساعدات الأميركية ستكون لها عواقب كارثية على الفئات الأكثر ضعفا وتهميشا في اليمن، بمن فيها النساء والفتيات والأطفال والنازحون داخليا.” وأضافت “سيُترك الملايين من الأشخاص في اليمن دون دعم هم في أمسّ الحاجة إليه” إذا لم يُلغ تخفيض المساعدات.

وأفادت منظمة العفو بأن الولايات المتحدة قدّمت نصف خطة الاستجابة الإنسانية المنسقة لليمن إذ منحت دعما بقيمة 768 مليون دولار في العام 2024 وحده.

وقال أحد عمال الإغاثة لمنظمة العفو الدولية “أُجبرنا على اتخاذ قرارات مصيرية بناء على معلومات ضئيلة أو معدومة. وفي الكثير من الأحيان لا يوجد من نتحدث إليه لأن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية” لم تعد موجودة عمليا.

وأشارت حيدر إلى أن “الشعب اليمني الذي يعاني من الجوع والنزوح والإرهاق جراء العنف، يعيش في واحدة من أخطر الأزمات الإنسانية في العالم.” وأضافت أن “التصعيد العسكري في اليمن، إلى جانب خفض المساعدات الأميركية، سيفاقم الكارثة الإنسانية التي يواجهها شعب لا يزال يعاني من وطأة الصراع الطويل.”