أخبار وتقارير

الأحد - 22 أكتوبر 2023 - الساعة 02:58 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


حرمت الشابة عبير المقطري من حلمها بالدراسة خارج اليمن بسبب قيود فرضها الحوثيون على تنقل النساء في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، رغم أنها حصلت على منحة دراسية في القاهرة.

كما لم يسمح لعبير التي يحاصر الحوثيون مدينتها تعز، جنوب غرب اليمن، بالتوجه إلى مطار عدن الخاضعة لسيطرة الحكومة، متذرعين بمنع النساء من التنقل من مدينة إلى أخرى أو السفر من دون محرم.

ومنع النساء من السفر بدون محرم لمسافات طويلة يشبه القيود التي تفرضها حركة طالبان في أفغانستان، وهو أمر لم يكن موجودا في اليمن قبل الحرب المتواصلة منذ ثماني سنوات.

ورغم أن المجتمع اليمني محافظ بشكل عام إلا أنه سمح تقليديًا بمساحة للحريات الفردية. لكن كل ذلك تغير مع صعود الحوثيين.

وتقول رضية المتوكل وهي ناشطة حقوقيّة يمنية، ومؤسِّسة ورئيسة منظمة يمنية لحقوق الإنسان، إن المجتمع اليمني على الرغم من أنه لطالما كان محافظا “فهذه أول مرة يصدر فيها قرار بتحديد حرية التحرك للنساء من قبل سلطة رسمية”.

وبحسب المتوكل، فإن التنقل أو السفر دون محرم يشكل سابقة “خطيرة للغاية” تعاقب بشكل خاص النساء العاملات مع اتجاه عام لتحديد وجودهن في الفضاء العام.

وهذه القواعد دفعت العديد من النساء اليمنيات العاملات في منظمات غير حكوميّة وفي وكالات “الأمم المتحدة” إلى ترك وظائفهنّ، وفقدان دخل تحتاجه أسرهنّ كثيرا.

وقالت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير أصدرته مؤخرا إنّ العديد من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا مازالت تمنع المرأة من التنقل داخل بلدها أو السفر إلى الخارج بحريّة دون إذن من وليّ أمرها.

وخلص تقرير “محاصرة: القيود على سفر المرأة من المحيط إلى الخليج”، إلى أنّه رغم نجاح ناشطات حقوق المرأة في ضمان حريّات متزايدة للنساء في العديد من دول المنطقة، إلا أنّ القيود القديمة والجديدة تفرض على المرأة الحصول على إذن من وليّ أمرها، وعادة يكون والدها أو شقيقها أو زوجها، للتنقل داخل البلاد أو الحصول على جواز سفر أو السفر إلى الخارج.

ولا تستطيع المرأة في عدد من بلدان المنطقة السفر إلى الخارج مع أطفالها على قدم المساواة مع الرجل.

وقالت روثنا بيغم، باحثة أولى في حقوق المرأة في هيومن رايتس ووتش، “سواء لمغادرة المنزل أو مغادرة البلاد، تفرض السلطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا قيودا متنوعة على حق النساء في حرية التنقل. وتُكافح نساء المنطقة ضدّ القيود التي كثيرا ما تدّعي السلطات أنها وُضعت لحمايتهنّ، لكنها في الواقع تحرمهنّ من حقوقهنّ وتُمكّن الرجال من السيطرة عليهنّ والإساءة لهنّ متى شاؤوا”.

واستند التقرير إلى تحليل مقارن للعشرات من القوانين واللوائح والسياسات، فضلا عن معلومات قدّمها محامون ونشطاء ونساء في 20 دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وحذفت بعض الدول مثل تونس والجزائر والمغرب العبارات التي تتحدث عن طاعة المرأة لزوجها والتي أدت إلى فرض قيود على تحركاتهن.

لكن لا تزال 15 دولة في المنطقة تطبق قوانين الأحوال الشخصية أو قوانين الأسرة التي تتطلب من النساء إما “طاعة” أزواجهن، والإقامة معهم، أو تعتبر النساء “ناشزات” إذا غادرن منزل الزوجية، أو عملن أو سافرن دون إذن الزوج.

وفي مثل هذه الحالات، يمكن للمحاكم أن تأمرهن بالعودة إلى منزل الزوجية وإذا لم يفعلن، قد يفقدن حقهن في النفقة من أزواجهن.

وفي بعض البلدان، تكون هذه القواعد أكثر رسوخا. ففي مارس 2022، أصدرت السعودية أول قانون مكتوب للأحوال الشخصية، يقنن ممارسة مطالبة النساء بطاعة أزواجهن “بالمعروف”، ويمكنهن أن يفقدن حقهن في النفقة إذا رفضن مثلا الانتقال إلى منزل الزوجية أو المبيت فيه “دون عذر مشروع”.

ويجوز للمحاكم أيضا استخدام “نشوز” المرأة لتقييد حصولها على الطلاق وحرمانها من الحقوق المالية أو حضانة أطفالها.

وفي الأردن والكويت وقطر والسعودية، يمكن لأولياء الأمر وأفراد آخرين من العائلة أيضا إبلاغ الشرطة عن “تغيّب” النساء عن منازلهن، ما قد يؤدي إلى اعتقالهن وإعادتهن قسرا إلى منازلهن أو احتجازهن إداريا.

وفي البلدان التي تشهد نزاعات فرضت بعض الجماعات المسلّحة قيودا تتعلق بولاية الرجل في المناطق الخاضعة لسيطرتها. وفي بعض أجزاء سوريا الخاضعة لسيطرة بعض الجماعات المسلّحة، يُفرض على المرأة أن تكون برفقة محرم (الزوج أو رجل آخر من أقاربها).

وذكرت نساء يمنيات لوسائل إعلام محلية أن سائقي الحافلات كانوا يرفضون نقلهن لأنهن لم يكن معهن محرم، أو أنهن اضطررن إلى دفع المزيد من المال للسفر بما أنه يتعيّن عليهن دفع ثمن تذكرة المحرم، بعد إصدار الحوثيين لقرار منع سفر المرأة دون محرم.

ولا يُسمح للنساء في السعودية واليمن بمغادرة السجن بعد انتهاء مدة عقوبتهن، دون أن يرافقهن ولي أمرهن عند الإفراج عنهن.

ورغم أنّ ناشطات حقوق المرأة في المنطقة حققن بعض المكتسبات، إلا أنّ كفاحهن ضدّ القيود التمييزيّة على تنقل المرأة يظلّ مستمرا. ففي 2018، بعد عقود من المناصرة والنشاط، سمحت السعوديّة للمرأة بقيادة السيارة لكن ظلّت قيود أخرى في مكانها.

وفي إيران، تواصل المرأة كفاحها المستمرّ منذ عقود ضدّ الحجاب الإلزامي، وهو سمة أساسية لاحتجاجات “المرأة، الحياة، الحرية” التي اجتاحت البلاد بعد وفاة مهسا أميني وهي رهن الاحتجاز في سبتمبر 2022.

وتفرض بعض الجامعات الحكوميّة، بما في ذلك في البحرين وإيران والكويت وعمان وقطر والسعودية، على المرأة إظهار إذن من وليّ أمرها للذهاب في رحلات ميدانية أو البقاء في السكن الجامعي أو الحرم الجامعي أو مغادرتهما.

وتفرض العادات الاجتماعية في العديد من البلدان ألا تعيش المرأة العازبة بمفردها. وتواجه النساء عمليا التمييز عند محاولتهن استئجار شقق إذا كن غير متزوجات أو بدون إذن ولي الأمر الرجل، وذلك في الجزائر ومصر والعراق والكويت وقطر والسعودية وفي غزة.

وتمنع الفنادق في دول مثل مصر والعراق والكويت والمغرب وقطر واليمن بعض النساء من استئجار غرف فندقية دون ولي أمر.

ورسميا، تنفي السلطات المصرية والمغربية إصدار تعليمات للفنادق بعد أن أفادت بعض النساء بمنعهن من الإقامة في الفنادق إذا لم يكن بصحبتهن رجل من أقاربهن.

وفي فبراير 2023، أصدرت السلطات المصرية “اللائحة التنفيذية لقانون المنشآت الفندقيّة” لسنة 2022، والتي تُلزم المؤسسات السياحية والفنادق بالسماح للأشخاص بالدخول أو الإقامة فيها دون تمييز بما في ذلك على أساس الجنس.

وفي تقدّم إيجابي، تسمح معظم حكومات المنطقة للمرأة بالحصول على جواز سفر والسفر إلى الخارج دون إذن من وليّ أمرها. ففي أغسطس 2019، بعد حملات واسعة قادتها ناشطات حقوق المرأة السعوديات، عدّلت السلطات السعوديّة قواعدها فصارت تسمح للمرأة فوق 21 عاما، تماما كالرجل، بالحصول على جواز سفر والسفر دون إذن من وليّ الأمر.

لكن في إيران وقطر واليمن، يظلّ الوضع أكثر تشدّدا. إذ يتعيّن على المرأة المتزوّجة في إيران إظهار إذن من زوجها لكي تحصل على جواز سفر أو تسافر. وفي قطر تفرض قواعد وزارة الداخليّة على المرأة غير المتزوّجة ودون 25 عاما إظهار إذن من وليّ أمرها لتسافر إلى الخارج، بينما يُعفى الرجل القطري في سنّ الـ18 عاما وما فوق من ذلك. وفي اليمن تفرض سياسة الأمر الواقع على المرأة إظهار إذن من وليّ أمرها لتحصل على جواز سفر.

وتسمح قطر أيضا لوليّ الأمر بتقديم طلب إلى المحكمة لتفرض حظر سفر على أيّ من قريباته الإناث، بما في ذلك زوجته. كما تسمح السلطات في إيران وغزّة والسعوديّة واليمن أيضا لوليّ الأمر بحظر سفر المرأة إلى الخارج.

وتُعدّ بعض القيود جديدة نسبيا. ففي فبراير 2021، أصدرت سلطات حماس في غزّة قيودا مفادها أن المرأة غير المتزوجة، حتى وإن كانت قادرة على مغادرة غزّة وسط القيود الإسرائيليّة والمصريّة المجحفة على التنقل، يُمكن منعها من السفر بمجرّد تقديم وليّ أمرها طلبا للحصول على حظر سفر بأمر من المحكمة.

وفي مايو 2023، بدأ جهاز الأمن الداخلي الليبي المرتبط بحكومة الوحدة الوطنيّة التي مقرّها طرابلس، يفرض على المرأة الليبيّة المسافرة دون مرافق ذكر ملء استمارة تفصيليّة عن أسباب سفرها وسفراتها الماضية.

وعمت حالة من الغضب بين العديد من النساء الليبيات، بعد القيود الجديدة التي فرضت على تحركاتهن.

واعتبرت ناشطات أن النظرة والمعتقدات المجتمعية في ليبيا تتفوّقان على القانون، وتحاربان المرأة وتجرّانها إلى الخلف، وجعلتا منها كائنا يتحرك في مربع مغلق حدّده لها الرجل يقتصر دورها فيه على تكوين الأسرة، حيث لا يمكنها السفر دون مرافق أو تقلد الوظائف السيادية، وغير قادرة على القيادة وتحملّ المسؤولية.

واستنكرت 12 منظمة حقوقية محلية ما وصفته بـ”الإجراء التمييزي” الذي فرضه جهاز الأمن الداخلي على النساء، وحقهن في السفر بمفردهن.

وأكدّ الموقعون على البيان أن هذا الإجراء ينطوي على “تعد مرفوض على حق المرأة في حرية التنقل المكفول دستوريا، ويخالف مبدأ المساواة المنصوص عليه في الإعلان الدستوري المؤقت، كما يتعارض مع التشريعات الليبية التي كفلت للمرأة حق التنقل والسفر، باعتبارها مواطنة كاملة الأهلية”.

وطلبت هذه المنظمات من الحكومة “الإلغاء الفوري لهذا القرار التمييزي الذي يهين المرأة الليبية ويمثل تعدياً على الحقوق والحريات الأساسية المكفولة دستوريا وقانونيا ودوليا، واتخاذ تدابير تحفظ الأمن القومي وتصون كرامة المرأة الليبية”.

وقد تواجه المرأة أيضا قيودا تمييزية لدى سفرها إلى الخارج مع أطفالها. حيث لا تسمح 14 دولة في المنطقة للمرأة بالحصول على جوازات سفر لأطفالها على قدم المساواة مع الرجل. وتفرض تسع دول رسميا أو عمليا، على المرأة الحصول على إذن من والد الطفل لكي يسافر معها إلى الخارج، بينما يُعفى الرجل من ذلك.

وقالت بيغم “رغم بعض الحريّات التي اكتسبتها ناشطات حقوق المرأة، فإن السلطات تسعى إلى سلب حريّات أخرى، ما يتسبب في تراجع في حقوق المرأة، بل ويُضرّ بالأطفال والأسر والمجتمع”.

وأكدت “ينبغي لجميع السلطات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلغاء كل القيود التمييزيّة المفروضة على حرية المرأة في التنقل، بما في ذلك جميع قواعد ولاية الرجل”.