تحظى المسلسلات الكوميدية بشريحة واسعة من المحبين والمتابعين الذين ينتظرونها من موسم رمضاني إلى آخر، يهربون بها من ضغوط الواقع وقسوة الأوضاع، ويستغلون زمن عرضها على الشاشات لـ”لمّة العائلة”، فقد دأب فنانو الكوميديا طوال العقود الماضية على تقديم كوميديا اجتماعية تصنف ضمن الأعمال العائلية التي تضمن شعبيتهم لدى الكبير والصغير، ما داموا قادرين على إضحاكهم.
هذا العام، انتظر الجميع منافسة قوية بين أكبر نجوم الكوميديا لكن النتائج كانت صادمة، وفشلت المسلسلات الكوميدية في إثبات وجودها، وقدرتها على الإضحاك، حيث غلب عليها الاستسهال والفكاهة والسيناريوهات المرتبكة، وتعرّض بعضها لانتقادات حادة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
من هذه المسلسلات، مسلسل “1000 حمدالله عالسلامة”، وهو من بطولة يسرا، شيماء سيف، مايان السيد، آدم الشرقاوي، محمد ثروت، سماء إبراهيم، ومطرب المهرجانات مصطفى عنبة الذي يخوض تجربة التمثيل لأول مرة، وهو من تأليف محمد ذوالفقار، وإخراج عمرو صلاح.
بهذا المسلسل، تخوض يسرا للعام الثاني على التوالي تجربة الكوميديا، حيث قدمت رمضان الماضي المسلسل الكوميدي الاجتماعي “أحلام سعيدة”، وبحسب تصريحات لها فإنها اختارت الاتجاه نحو الكوميديا لأن “الناس تحتاج إلى الابتسامة ولا تريد المزيد من المواجع عبر الدراما، لذلك استبعدت تماما تقديم عمل درامي”.
بدأت الفنانة يسرا علاقتها مع التمثيل، السينمائي ثم التلفزيوني، في السبعينات من القرن العشرين، مع أول ظهور لها عام 1973 على الشاشة الفضية، وهي هذا العام تحتفل بيوبيلها الذهبي بانقضاء خمسين عاما من عمرها في الحياة الفنية بكل تجاربها وخبراتها، وفي رصيدها نحو 89 فيلما و31 مسلسلا و3 مسرحيات وفي رصيدها أكثر من خمسين جائزة وعشرات شهادات التقدير.
لكنها هذا العام، خاضت مغامرة يمكن اعتبارها غير موفقة في تجربة الألوان الدرامية، فمسلسل “1000 حمدالله عالسلامة” جاء باهتا بإيفيهات غير مضحكة، وبسيناريو غلب عليه التمطيط وبأحداث وحوارات غير منطقية، ذهبت في أغلبها نحو الاستسهال في الطرح والاستسهال في التعامل مع ذهن المشاهد.
في هذا المسلسل، تعود البطلة “سميحة” (قامت بالدور الفنانة يسرا) من الغربة بعد سنوات طويلة، صحبة ابنها “سامح” وابنتها “سماح”، (آدم الشرقاوي ومايان السيد)، بعد وصية من زوجها بأنهم سيحصلون على ميراثهم، شريطة العودة إلى مصر للقاء “طنط سوسو” واستلام الأوراق القانونية لممتلكاته، ومن ثم تتعرض العائلة لمواقف كوميدية في مصر، تزداد حدتها مع تعرفهم على المحامي أكرم (محمد ثورت) وزوجته وفيقة (شيماء سيف) وابنهما الرضيع أوزو، وآخرين.
وكانت يسرا أكدت أنها اختارت هذا العمل بعد قراءة عشرات الأعمال التي وجدتها مكررة وغير مضحكة بالنسبة إليها، وفضلت أن يكون الأبطال نجوم كوميديا، بخاصة شيماء سيف التي تحبها كثيرا على المستوى الشخصي، وتراها من أفضل نجوم الكوميديا.
وما يحسب للعمل أنه استطاع أن يقدم أهم عقده الدرامية في حلقاته الأولى، حيث تتوالى المصاعب واحدة تلو الأخرى، لكن الإيقاع سرعان ما تباطأ وأصبحت المشاهد اسكتشات طويلة وإيفهات غير مضحكة تحاول ملء الحلقات الثلاثين.
والعمل كما قدمه مؤلفه محمد ذوالفقار، أساسه كوميديا الموقف، لكن كل الانتقادات التي وجهت للمسلسل ولأغلب الممثلين فيه تقول إن أداء الممثلين لم يكن كوميديا بل مفتعلا، ولم يكن واقعيا مدروسا ومكتوبا بناء على سلوكيات المغتربين ونظرتهم للحياة والمواقف اليومية في مصر، بل هجينا وغير منطقي.
في الحلقات الخمس الأولى على سبيل المثال، تضيع الفتاة سماح (مايان السيد) من العائلة بعد إيقافهم في مركز الشرطة، تفقد هاتفها وتفقد معه أيّ وسيلة للوصول إلى عائلتها، ورغم أن بائع الشاي (عنبة) يساعدها ويستضيفها في منزله إلا أنها لم تفكر في استخدام هاتفه والتواصل مع عائلتها عبر اتصال هاتفي أو حتى رسالة على مواقع التواصل، أو إيميل، بل ضلت تبحث عنهم في الشوارع، في مشاهد “كوميدية” قديمة تذكر بأعمال كوميدية كلاسيكية، لكنها مشاهد تنسى أننا في العام 2023 مع كل التطور التكنولوجي ولسنا في زمن ما قبل اكتشاف الهاتف والإنترنت.
مثل هذه المواقف، عرّضت الممثلة مايان السيد، للانتقاد، حيث قالت عنها الناقدة المصرية ماجدة خيرالله “مايان السيد لم تدرك الفرق بين شخصية فتاة عاشت معظم عمرها في كندا، وبالتالي فهي تستغرب بعض تفاصيل الحياة في مصر، وبين فتاة تعاني من التخلف العقلي وعدم الإدراك”.
وتابعت “كان لا بد للمخرج أن يصحح ويدقق في أسلوب أدائها، ولا يتركها لاجتهادها الشخصي، فالأجنبي الذي يزور مصر للمرة الأولى لا يتصرف بهذه الطريقة من عدم الاتزان”.
لكن الممثلة الشابة، بررت أداءها السيء بأن من حقها خوض التجارب الجديدة، وتقديم أدوار متنوعة وإن لم تعجب الجمهور، وقالت “من حق أيّ ممثل، إنو هو يجرب ولو أنا ما كنش أحسن حاجة ليا السنة دي فإن شاء الله أتعلم وابقي أحسن”.
الممثل آدم الشرقاوي كان دوره هو الآخر مرتبكا حيث أظهره شابا صنعت منه الغربة رجلا غبيا ضعيفا، يتكلم بلكنة غريبة، ويستغرب كل ما يحدث حوله.
آدم الذي عرفه الجمهور وأحبه في دور “بيج زي” ضمن مسلسل “لعبة نيوتن” الذي عرض العام 2021، جاء اختياره لمشاركته الرمضانية هذا العام غير متزن، كشف عدم تمكنه من أدواته كممثل كوميدي، اذ اعتمد على مجرد تشخيص لما يعتقد أنه سيكون حال الشخصية التي يقصد تمثيلها دون مراعاة عنصر الإضحاك.
كذلك شيماء سيف ومحمد ثروت، سجنهما المسلسل هذا العام في صورة الزوجين غريبي الأطوار، اللذين يمارسان سلوكيات يومية أغلبها تدور حول حب الأكل والنوم.
في “1000 حمدالله عالسلامة” طغت مساحة التهريج والسطحية إلى الحد الذي يجعل العمل أبعد ما يكون عن المعنى الحقيقي للكوميديا. ولأن سوق الإنتاج جعلت أغلب المسلسلات الرمضانية تحديدا “تفصّل” على قياس البطل الأول أو الأوحد، فمسلسل “1000 حمدالله عالسلامة” هو هذا العام مسلسل يسرا، الذي رمى بها في ملعب جديد قوامه الإسفاف والتهريج.
يسرا كانت تبرر عملها في بداياتها ببعض الأفلام التي قد لا ترقى إلى مستوى فني جيد بقولها “عندما بدأت كانت بداخلي شحنة كبيرة للتمثيل، وكان مجرد تفريغها يرضيني، وشيئا فشيئا أدركت الفرق بين الانتشار والاختيار”، لكنها هذا العام، يبدو أنها اتجهت لتفريغ شحنة التمثيل دون الاهتمام لا بانتشار ولا باختيار، المهم أن تكون موجودة، دون الاهتمام بجودة العمل ومدى أهميته في مسيرتها الفنية مقارنة بما يعرض من أعمال منافسة ترتقي بالوعي الجمعي وتطرح مواضيع هادفة ومهمة، وهي في ذلك ترتكب الخطأ نفسه الذي وقع فيه الممثل عادل إمام، شريكها في جزء كبير من شهرتها، حيث كانت أعماله الأخيرة كثيرة التهريج والسطحية.
وهي تقدم هذه المرة ثيمة تقليدية سبق أن جسدتها مرارا أفلام مصرية أشهرها فيلم “الدنيا على جناح يمامة” وفيلم “عسل أسود” وغيرها.
وكانت يسرا وعدت جمهورها قبل رمضان أنه سيشاهد “كوميديا ها تكسر الدنيا في مسلسل ‘ألف حمدالله على السلامة’، وبحب أغير وأقدم حاجات مختلفة؛ لأن اللي قدامي بيشوفوني بمنظور وشكل مختلف في الدم الجديد”.
لكن المسلسل لا يحظى بمعدلات مشاهدة جيدة أو تفاعل إيجابي ملحوظ على مواقع التواصل، ورغم أنه لم يكن كما توقعه العاملون فيه إلا أنه يؤكد أن يسرا لا تزال بعد خمسين عاما في الفن قادرة على خوض التجربة وتقديم نفسها بشكل جديد ودخول مغامرات والتلوين فيما تقدمه من شخصيات وتقبل النقد.