أعلن مركز محمد بن راشد للفضاء أن رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي يستعد لمهمة تاريخية للسير في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية يوم الثامن والعشرين أبريل الجاري ليكون بذلك أول رائد عربي يقوم بالسير في الفضاء، وذلك ضمن مهام "البعثة 69" المتواجدة على متن المحطة، في إنجاز جديد سيجعل الإمارات العاشرة عالميا في مهمات السير في الفضاء خارج محطة الفضاء الدولية.
وأوضح المركز أن رواد الفضاء الذين يتم اختيارهم للقيام بمهمة السير في الفضاء يخضعون لعملية اختيار صارمة بناء على مهاراتهم وخبراتهم وقدرتهم على التكيف مع بيئة الفضاء الصعبة، فضلا عن ضرورة إثبات كفاءة استثنائية في مجلات مختلفة، مثل الهندسة، والروبوتات، وأنظمة دعم الحياة، إضافة إلى اللياقة البدنية، والمرونة العقلية.
والنيادي (41 عاما) هو أول عربي يُمضي ستة أشهر في الفضاء بعد انطلاقه في السادس والعشرين فبراير إلى محطة الفضاء الدولية عبر صاروخ "فالكون 9" المصنّع من شركة "سبايس إكس"، وثاني إماراتي يشارك في رحلة إلى الفضاء، بعد هزاع المنصوري الذي أمضى ثمانية أيام في المحطة الدولية في سبتمبر 2019.
تعتبر عمليات السير في الفضاء ضرورية للحفاظ على قدرات المحطة الدولية وتطويرها، كما تسمح لرواد الفضاء بأداء مهام مختلفة مثل صيانة الأنظمة الأساسية للمحطة الدولية وإصلاحها، وتركيب أجهزة تكنولوجية جديدة، وتجميع وإعادة بناء وحدات المحطة.
وتُشير عمليات السير في الفضاء إلى مدى أهمية التعاون الدولي على متن محطة الفضاء الدولية، حيث يتعاون رواد الفضاء من مختلف البلدان، ويتبادلون المعرفة والمصادر المختلفة. وبصفته مسؤولا عن متابعة مهمة "البعثة 69" إلى محطة الفضاء الدولية، يعمل النيادي على تنسيق وإنجاز مهام رواد الفضاء المتواجدين على متن المحطة.
مسؤوليات عديدة
ويشمل ذلك مسؤوليات عديدة منها تطوير وإدارة ومتابعة تطبيق عمليات المهمة والتواصل بين الفرق. وسيحرص النيادي، معتمدا على خبرته، على التأكد من أن المهمة الفضائية تسير بشكل جيد وفقا للخطة المقررة، حيث سيكون المسؤول الأول عن نقل المعلومات بين فريق المهمة على الأرض ورواد الفضاء.
وتعليقا على ذلك، أكد سالم حميد المري المدير العام لمركز محمد بن راشد للفضاء أن "مهمة 'البعثة 69' تشكل إنجازا مميزا لدولة الإمارات والعالم العربي، ففضلا عن كونها أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، تشهد المهمة اليوم مشاركة أول عربي مسؤول عن متابعة بعثة إلى محطة الفضاء الدولية".
وأشار المرّي إلى أن "تولي هزاع المنصوري لهذه المسؤولية يشكل دليلا جديدا على تميُّزه وإمكانياته الكبيرة، ويمهد الطريق أمام رواد فضاء جدد من العالم العربي يطمحون للانضمام إلى مسيرة استكشاف الفضاء". وأضاف "فخورون بأن يتعاون سلطان وهزاع على إجراء تجارب علمية تدعم مجال استكشاف الفضاء، ودراسة بيئة الجاذبية الصغرى".
أوضح مركز محمد بن راشد للفضاء أن النيادي خضع لتدريبات مكثفة لأكثر من 55 ساعة في مختبر الطفو المحايد التابع لناسا في مركز جونسون للفضاء في هيوستن بولاية تكساس استعدادا لمهمات السير في الفضاء.
وخلال الفترة التي قضاها في مختبر الطفو المحايد، خضع النيادي لـ 9 جولات تدريبية، امتدت كل واحدة منها لنحو 6 ساعات، حيث قام بالتدرب على محاكاة السير في الفضاء تحت الماء باستخدام النموذج الكامل لمحطة الفضاء الدولية.
وكتب النيادي، الموجود حاليا في محطة الفضاء الدولية، على حسابه في تويتر "اختياري كأول رائد فضاء عربي يقوم بالسير في الفضاء إلى جانب رائد فضاء ناسا ستيفن بوين، شرف ومسؤولية كبيرة".
وقال "فخور بتكليفي بمسؤولية تسهيل تبادل المعلومات بين فريق المهمة على الأرض، ورواد الفضاء.. ومهمتي ستشمل أيضا فهم ومعرفة التحديات أمام الطاقم، والإنجازات التي يحققونها على متن المحطة". ثم تابع "أنتظر بفارغ الصبر هذه اللحظة التاريخية التي تدربت عليها بشكل مكثف في مركز جونسون للفضاء".
ونظرا للمخاطر العالية المرتبطة بمهمات السير في الفضاء، يتم اختيار رواد الفضاء المؤهلين فقط للقيام بأداء هذه المهمة، فهذه العملية لا تُشكل تحديا على الصعيد البدني فقط، بسبب بدلات الضغط التي يرتديها رواد الفضاء، بل تتطلب أيضا قدرات ذهنية كبيرة، حيث يتعيَّن على رواد الفضاء الجمع ما بين التركيز على المهام التي يقومون بها، والحفاظ على سلامتهم، وكذلك التفاعل مع الطاقم المتواجد على متن المحطة، وفريق مركز التحكم بالمهمة على الأرض.
استعدادات مكثفة
ورغم دخولها حديثا عالم استكشاف الفضاء، تحقق الإمارات خطوات متسارعة في هذا المجال، ففي فبراير 2021 دخل مسبار "الأمل" الإماراتي مدار كوكب المريخ لتصبح الإمارات أول دولة عربية تصل إلى الكوكب الأحمر.
وقال النيادي إنه يريد تمثيل بلده الإمارات أحسن تمثيل، وكتب "أتطلع إلى تمثيل بلدي ومواصلة الرحلة الاستثنائية التي بدأتها أجيال من رواد الفضاء قبلي".
وأرفق رائد الفضاء العربي صورة لتغريدته وهو بجانب رائد آخر، وصورة أخرى وهو جالس إلى جانب بدلتين من بدلاته التي سيستخدمها للخروج من المركبة في أولى خطواته في الفضاء.
تعليقا على هذه المهمة التي سيقوم بها رائد الفضاء الإماراتي وأهميتها، قال حمد عبيد المنصوري رئيس مجلس إدارة مركز محمد بن راشد للفضاء إن "المهمة التاريخية التي سيقوم بها سلطان النيادي بالسير في الفضاء، هي دليل جديد على مدى التزام دولة الإمارات بدعم جهود استكشاف الفضاء، وتعزيز التعاون الدولي في هذا المجال".
وأضاف "بصفته أول رائد فضاء عربي يقوم بمثل هذه المهمة، فإن النيادي يحمل اليوم تطلعات المنطقة بأكملها، وأضحت مهمته نموذجا حيّا للفرص التي يقدمها العمل الجماعي. وتعدُّ هذه الخطوة تجسيدا لرؤيتنا الهادفة إلى تعزيز مكانة دولة الإمارات عالميا في مجالات الفضاء، والعلوم، والتكنولوجيا، وإلهام الأجيال القادمة لتحقيق المزيد من الإنجازات في ميدان المعرفة والابتكار".
من جانبه قال المدير العام لمركز محمد بن راشد للفضاء إن "اختيار سلطان النيادي ليكون أول رائد فضاء عربي يخوض مهمة سير في الفضاء، هو ثمرة جديدة لعمل جاد ودؤوب هدفه إفساح مكانة ريادية لدولة الإمارات على المستوى العالمي في مجال استكشاف الفضاء، والإسهام بمزيد من الإنجازات التي تخدم المجتمع العلمي".
وأضاف "هذا الحدث البارز، الذي ستشهده أطول مهمة فضائية في تاريخ العرب، لا يُعد إنجازا لدولة الإمارات العربية المتحدة والمنطقة فحسب، بل تكريسًا لأهمية التعاون الدولي وقيمة التقدم العلمي الذي يتحقق من خلال محطة الفضاء الدولية".
إنجازات ملهمة
وتحمل مهمة السير في الفضاء، وهي الخامسة لهذا العام خارج محطة الفضاء الدولية، أهمية كبيرة، حيث سيؤدي النيادي إلى جانب رائد الفضاء ستيفن بوين من ناسا عددا من المهام الأساسية.
ومن المتوقع أن تستمر فترة تواجدهما خارج المركبة لمدة 6.5 ساعات تقريبا، ما يوفر لرائدي الفضاء فرصة فريدة للتعرف أكثر إلى بيئة الفضاء أثناء العمل على صيانة محطة الفضاء الدولية وتحديثها.
وفي الوقت الذي تشكل فيه مهمة السير في الفضاء فرصة لإبراز المهارات الفردية لكل من رائدي الفضاء فقط، تعتبر المهمة كذلك نموذجا ملموسا يجسّد أهمية التعاون الدولي في النهوض بمجال استكشاف الإنسان للفضاء.
ويتمثل الهدف الأساس لهذه المهمة في تغيير الوحدة الخاصة بترددات الراديو، وهي جزء من نظام الاتصالات "أس - باند" الخاص بمحطة الفضاء الدولية، تمهيدا لإعادتها إلى الأرض.
كما سيكمل النيادي والفريق سلسلة من المهام التحضيرية لتركيب ألواح شمسية، حيث سيتم تركيب هذه الألواح خلال مهمة لاحقة في يونيو المقبل، وستسهل هذه التحضيرات على رواد الفضاء العمل خلال المهمة المقبلة.
وتقوم الألواح الشمسية بدور محوري في تشغيل محطة الفضاء الدولية، وتوفير طاقة نظيفة ومتجددة لدعم التجارب والأنظمة والعمليات اليومية على متنها.
أمضى رائد الفضاء النيادي فترة تزيد على الشهر على متن محطة الفضاء الدولية بعد انطلاقه من قاعدة كيب كانافيرال في فلوريدا مع طاقم "كرو - 6" في الثاني من مارس الماضي، وتم التحام المركبة بمحطة الفضاء الدولية بعد رحلة استغرقت 25 ساعة.
ويعمل طاقم "البعثة 69" منذ بدء مهمتهم رسميا على تنفيذ جدول مزدحم من الأبحاث العلمية على البشر للقيام بها على متن محطة الفضاء الدولية، وتشمل الفحص بالموجات فوق الصوتية، وفحوصات الرؤية، واختبارات السمع.
وشارك النيادي في أنشطة مختلفة إلى جانب زملائه في الطاقم بهدف اكتساب رؤى علمية جديدة، حيث تتضمن الأجندة أبحاثا حول أمراض القلب الناتجة عن اختلاق الأجواء بين الفضاء والأرض.
جدول مزدحم
ومن بين تلك التجارب، قام رائد الفضاء بوين بربط أقطاب كهربائية على نفسه، ووضع علامات على الأوردة من أجل التحقق من شيخوخة الأوعية الدموية. وفي جلسة أخرى، أجرى بوين وفرانك روبيو وديمتري بيتلين فحوصات الرؤية على زملائهم في الطاقم بمن فيهم النيادي باستخدام معدات التصوير الطبي الموجودة في مكتب أخصائي البصريات على الأرض.
كما أن فيزياء الفضاء تشكل أيضا جزءا من أجندة الطاقم، حيث سعى العلماء والمهندسون لفهم كيفية تفاعل المواد التي تم إنتاجها على الأرض مع ظروف الجاذبية الصغرى.
وعمل النيادي خلال الفترة الماضية على تفريغ الحمولة التي أرسلتها مركبة دراغون في السادس عشر مارس، والتي ضمت أكثر من 2800 كيلوغرام من الأدوات المستخدمة في التجارب، واللوازم الخاصة بالطاقم، ومعدات محطة الفضاء الدولية.
وسيُجري طاقم "البعثة 69" على متن محطة الفضاء الدولية عددا من التجارب العلمية تتعلق بدراسة كيفية احتراق المواد في البيئة قليلة الجاذبية بهدف الحفاظ على سلامة المركبة، واختبار أداة لمراقبة الجهاز المناعي في المدار، واستكمال العمل على الطباعة ثلاثية الأبعاد لنسيج عضلة القلب، بهدف مراقبة عمل القلب في هذه البيئة، واختبار عينات للأحياء الدقيقة التي يتم إحضارها من الأرض.
ويُشارك النيادي في برنامج توعوي وتعليمي يشمل إجراء مكالمات مرئية مباشرة، والتفاعل مع الجمهور، بالإضافة إلى مهام الصيانة على متن محطة الفضاء الدولية.
يُذكر أن برنامج الإمارات لرواد الفضاء الذي يتولى إدارته مركز محمد بن راشد للفضاء، يُعدّ أحد المشاريع التي يمولها صندوق تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التابع لهيئة تنظيم الاتصالات والحكومة الرقمية، ويهدف إلى دعم البحث والتطوير في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.