الأحد - 06 فبراير 2022 - الساعة 12:54 ص
ثمّة حاجة بين حين وآخر إلى وضع نقاط على الحروف في ما يخصّ الموضوع اليمني. نقاط على الحروف اليمنيّة ذات الطابع الخاص بها. لعلّ النقطة الأولى التي تحتاج إلى توضيح مستمرّ، تلك المتعلّقة بالهامش الذي يمتلكه الحوثيون بالنسبة إلى درجة ارتباطهم بـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانيّة.
لا وجود لهامش من أيّ نوع كان لدى الحوثيين. هناك قرار إيراني ينفّذه الحوثيون الذين يسمون أنفسهم “جماعة أنصارالله” من دون أي سؤال أو جواب أو تحفّظ. الدليل على ذلك أنّه عندما أطلقت المملكة العربيّة السعوديّة، قبل أحد عشر شهرا، مبادرة من أجل وقف القتال في اليمن والتوصّل إلى تسوية ذات طابع سياسي وإنساني، جاء الردّ على المبادرة السعوديّة من إيران. جاء الجواب من “الحرس الثوري” تحديدا.
في وقت كان أحد القياديين الحوثيين الموجودين في مسقط على استعداد لمناقشة بنود المبادرة السعوديّة، صدرت تغريدة للسفير الإيراني لدى الحوثيين الموجود في صنعاء. لم يكن السفير الإيراني سوى ضابط في “الحرس الثوري” اسمه حسن إيرلو، سبق له أن خدم في لبنان. توفّي إيرلو قبل بضعة أسابيع نتيجة إصابته بكوفيد – 19. لم يحل أحد مكانه بعد، لكن الخطوط العريضة للسياسة الإيرانيّة التي عبّر عنها في تغريدته ما زالت هي المعمول بها حوثيّا.
جاء في تلك التغريدة الآتي “مشروع السعوديّة في اليمن، مشروع حرب دائم (يقصد دائمة بلغة عربيّة صحيحة) واستمرار الاحتلال وجرائم حرب وليست إنهاء للحرب. المبادرة الحقيقية تعني: وقف الحرب بشكل كامل، رفع الحصار بشكل كامل، إنهاء الاحتلال السعودي وسحب قواته العسكريّة وعدم دعم المرتزقة والتكفيريين بالمال والأسلحة وحوار سياسي بين اليمنيين دون أيّ تدخلات خارجيّة”. هذا هو نص التغريدة الإيرانيّة التي تعكس، قبل أيّ شيء، واقعا أليما يتمثّل في أن القرار الحوثي قرار “الحرس الثوري” الإيراني ولا شيء آخر. عندما تكون هذه النقطة بهذا الوضوح، لا يعود مجال لتساؤلات من أيّ نوع. لا يعود مستغربا الاعتداءات الحوثية المتتالية على دولة مثل الإمارات العربيّة المتحدة سعت في كلّ وقت لمساعدة اليمن في لملمة أوضاعه الداخليّة وتفادي السقوط في الفخّ الإيراني… ومساعدة شعبه على البقاء في أرضه.
لا حاجة في طبيعة الحال، إلى التذكير للمرة العاشرة بأنّ الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، أعاد بناء سدّ مأرب في اليمن. افتتح بنفسه السدّ الجديد في العام 1986 في مكان قريب من المكان الذي كان فيه السدّ القديم الذي أدّى انهياره، قبل ظهور الإسلام، إلى تشتت القبائل العربيّة التي كانت في اليمن وانتشارها في كلّ أنحاء الجزيرة العربيّة وصولا إلى المشرق العربي.
تُكافأ دولة الإمارات حاليا على كلّ ما قام به مؤسّسها وأبناؤه من أجل اليمن ومن أجل تمكين أهلها من البقاء في أرضهم.
ليس ما يشير إلى أن في استطاعة الحوثيين الخروج من تحت عباءة إيران. ففي 2016 وفيما كانت الكويت ترعى مؤتمرا يمنيا، ذهب وفد حوثي إلى الرياض وتوصّل إلى اتفاق في شأن تسوية سياسيّة. لم يجد الاتفاق من ينفذه من الجانب الحوثي ولم يؤد مؤتمر الكويت الذي استمر أسابيع عدّة إلى أي نتيجة. كان القرار، ولا يزال، لـ”الجمهوريّة الإسلاميّة” ومشروعها اليمني الذي هو جزء لا يتجزأ من مشروعها التوسّعي في المنطقة.
كان الرئيس الراحل علي عبدالله صالح أوّل من اكتشف أن الحوثيين صاروا في الحضن الإيراني. لعب علي عبدالله صالح دورا كبيرا في الصعود الحوثي عن طريق قيام تنظيم “الشباب المؤمن” أوّلا. أدخلهم مجلس النواب اليمني ودعمهم ماليا قبل أن ينقلبوا عليه. فوجئ الرئيس اليمني الراحل، الذي كان هدفه الأصلي من وراء دعم الحوثيين وقف تمدّد الإخوان المسلمين والسلفيين في المناطق الزيدية في الشمال اليمني، بانقلابهم عليه.
يقول الدكتور عبدالكريم الإرياني، السياسي اليمني البارز الذي توفّى قبل سنوات قليلة، إن علي عبدالله صالح توقف في صعدة في طريقه برّا إلى المملكة العربيّة السعوديّة. كان ذلك في العام 2004. فوجئ الرئيس الراحل، فيما كان يلقي خطبة الجمعة في أحد مساجد صعدة، بشاب بين المصلين يطلق الصيحة الحوثيّة (الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام) في تحدّ واضح له.
يضيف الإرياني أن علي عبدالله صالح غضب غضبا شديدا وأدرك أن الحوثيين انقلبوا عليه. رأى الإرياني أن ما حدث يومذاك في صعدة مهّد لست حروب بين الجيش اليمني والحوثيين بين 2004 و2009.
لا حاجة إلى إعادة سرد الأحداث في مرحلة ما بعد الانقلاب الإخواني على علي عبدالله صالح ابتداء من العام 2011، لكنّ ما لا بدّ من التوقف عنده أن الحوثيين كانوا المستفيد الأوّل من خروج الرئيس الراحل من موقع الرئاسة في شباط – فبراير 2012 وحلول عبدربّه منصور هادي مكانه كرئيس مؤقت.
ناور الحوثيون بدهاء ليس بعده دهاء وصولا إلى وضع يدهم على صنعاء في الحادي والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014 ثمّ اغتيال علي عبدالله صالح في الرابع من كانون الأوّل – ديسمبر 2017.
كان كلّ ما فعله الحوثيون بموجب تعليمات إيرانيّة. كلّ رهان على خروجهم من عباءة “الجمهوريّة الإسلاميّة” و”الحرس الثوري” تحديدا ليس في محلّه. ثمّة من يقول، بين اليمنيين، إن اغتيال علي عبدالله صالح كان بتوقيت إيراني.
في سياق وضع النقاط على الحروف أيضا، لا يمكن تفسير التصعيد الذي لجأ إليه الحوثيون في الفترة القصيرة الماضية، والذي شمل الاعتداء على دولة الإمارات، سوى بالنكسة التي تعرّض لها المشروع الإيراني في اليمن. لا يمكن وصف الانتصارات التي حققتها قوات العمالقة في محافظة شبوة واختراقها لمحافظة مأرب سوى بنقطة تحوّل على الأرض. في ضوء هذا التحوّل، يمكن فهم ردّ الفعل الإيراني.
ما يصعب فهمه غياب القدرة لدى الإدارة الأميركيّة على استيعاب أن الحوثي هو إيران وإيران هي الحوثي… وأنّ كلّ التنازلات التي قدّمتها واشنطن للحوثيين لم تخدم، أقلّه إلى يومنا هذا، الوصول إلى أيّ تسوية سياسية تخفف من آلام اليمنيين…