السبت - 29 يناير 2022 - الساعة 03:19 م
في بداية الحرب تجاوز معظم اليمنيين عن ضرب المدن اليمنية وتحديدا العاصمة صنعاء، توهما منهم بأن هناك حرب عادلة ستعيد دولتهم وتخلصهم من الحوثيين، وتدمج اليمن ضمن محيطها الجغرافي الذي كان يتعامل معها كحديقة خلفية. وكان الاعتقاد السائد حينها؛ أن الخسائر بين المدنيين وفي البنية التحتية، أثار جانبية ضرورية للعلاج، وقال الكثير من اليمنيين (وجع ساعة ولا كل ساعة).
ولكن بعد مرور سبع سنوات من الحرب اتضحت الصورة لكل اليمنيين، باستثناء المرتزقة وتجار الحرب، حيث أدت الحرب إلى افقارهم وتشريدهم ومزقت بلادهم، واذلتهم داخل بلادهم وفي بلاد "الأخوة المنقذين"، الذين ضيقوا على الكثير من اليمنيين واجبروهم على الرحيل. وانتقلت اليمن من موقع الحديقة الخلفية لدول الجوار "الشقيقة" إلى موقع المزبلة التي يرمون فيها قذارتهم.
أدت الهجمات الجوية التي طالت المدنيين في اليمن إلى إدانات كثيرة وخاصة من قبل المنظمات الحقوقية، والعديد من السياسيين الغربيين. وفرضت بعض الدول الكثير من القيود على صادرات الأسلحة للسعودية والإمارات.
ونتيجة لذلك تراجعت الضربات الجوية في المدن الخاضعة لسيطرة الحوثيين. وتوقفت لبعض الوقت ضمن تفاهمات سعودية/ حوثية، قضت بأن يمتنع الحوثيون عن ضرب العمق السعودي بالصواريخ والطائرات المسيرة، مقابل امتناع طائرات "التحالف" عن ضرب تلك المدن.
في العام الماضي ضغطت إدارة بايدن على السعودية لوقف الحرب، ونتج عن ذلك مبادرة سعودية لوقف إطلاق النار رفضها الحوثيون وصعدوا من هجماتهم للسيطرة على مأرب واستمروا في مهاجمة السعودية. وبسبب الرفض الحوثي وتعثر المساعي الأمريكية لوقف الحرب في اليمن، والذي وضعها الرئيس بايدن ضمن أولويات سياسته الخارجية، منحت الإدارة الأمريكية، كما يبدو، السعودية ضوء "أصفر" للضغط عسكريا على الحوثيين كي يقبلوا بتلك المبادرة أو أي جهود لوقف إطلاق النار.
وقد استثمر السعوديون ذلك الضوء، وحققوا انجازات عسكرية في محافظة شبوة، كان للإمارات الدور الرئيسي فيها. إلى جانب ذلك، عادت ما يسمى بطائرات التحالف إلى مهاجمة المدن اليمنية وتحديدا العاصمة صنعاء، توهما منهم بإن تلك الهجمات ستحقق أهدافهم.
ولكون الأهداف العسكرية الظاهرة في المدن اليمنية لم تعد متاحة، بعد أن تم ضربها في بداية الحرب، وتمكن الحوثيون من إخفائها في مناطق محصنة ككهوف الجبال، أو الأنفاق تحت المناطق المكتظة بالسكان؛ فقد أصبحت الضربات الجوية على مراكز المدن غير ذات جدوى من الناحية العسكرية، في حال تكرار الضربات على المناطق المضروبة سابقا، كقاعدة الديلمي، التي ضربت عشرات إن لم يكن مئات المرات.
ولذلك، أصبحت الضربات الجوية غير مبررة، وليس لها من هدف سوى استعراض القوة وإرعاب سكان المدن، وجرائم حرب جديدة، في حال أدت هذه الضربات إلى قتل مدنيين. وضربات من هذا القبيل تخدم الحوثيين ومن ورائهم إيران لأنها عمليا لا تؤثر عليهم عسكريا وتورط السعودية والإمارات في جرائم حرب جديدة، وتزيد من نقمة معظم الشعب اليمني وخاصة في المدن المضروبة، وتحولهم لوقود طيع في يد الحوثيين.
لم يعد معظم اليمنيين مؤيدين للحرب بشكل عام وللضربات الجوية على المدن بشكل خاص، كما كان الحال في بدايتها، فقد أصبحوا ينظرون إلى هذه الضربات بأنها نوع من العبث والاستهتار بأرواح اليمنيين، وضمن مشروع تفكيك وتدمير الدولة اليمنية ومقدراتها. كما أن الضوء الأصفر الأمريكي سيتحول إلى أحمر مع أي هجمات تؤدي إلى خسائر كبيرة بين المدنيين، أو منشأت مدنية تفاقم من الكارثة الإنسانية. خاصة وأن الحرب فقدت شرعيتها، أمام العالم، بعد أن أدت إلى أكبر كارثة إنسانية حسب تصنيف الأمم المتحدة.
على السعوديين أن يدركوا بأن فرصة هزيمة الحوثيين قد ضاعت في الفترة الأولى للحرب، حين كان هناك قبول محلي ودعم، أو غض طرف خارجي، لأخطائهم. وهو ما لم يعد متوفرا الآن بعد أن حولت الحرب معظم اليمنيين إلى شحاتين وفي أوضاع أقرب إلى المجاعة، وتم بشكل منهجي تدمير البنية التحتية، وفوق هذا وذاك تمزيق اليمن إلى كيانات انفصالية وجهوية وطائفية.
ولهذا فإن الضربات الجوية على المدن ستعيد الضغط الخارجي على السعودية والإمارات، وهو ما يؤكد تكرار هؤلاء لأخطاء ما كان لها أن تتم، لو كان هناك قدر يسير من الحكمة والمسؤولية، وقبل هذا وذاك القليل من حسن النوايا.