الجمعة - 14 يناير 2022 - الساعة 11:41 ص
يصلح التساؤل هذه الأيّام هل بدأ المشروع الإيراني في اليمن يتراجع؟ يبرّر مثل هذا التساؤل تحرير محافظة شبوة من الحوثيين (جماعة أنصارالله) في وقت بدأ هؤلاء يمارسون لعبة في غاية الخطورة انطلاقا من ميناء الحديدة على البحر الأحمر. تتمثّل هذه اللعبة في تهديد الملاحة في تلك المنطقة الحساسة بالنسبة إلى التجارة الدوليّة.
تكشف ممارسات الحوثيين، وهم ليسوا سوى أداة إيرانيّة، نوعا من الإفلاس لدى “جماعة أنصارالله” التي لا تمتلك أي مشروع، من أيّ نوع، لبناء أي دولة باستثناء تحويل الكيان الذي تسيطر عليه الجماعة إلى قاعدة صواريخ وطائرات مسيّرة تستخدم في مجالين. الأوّل ظهور إيران في مظهر من يمتلك موطئ قدم ثابت في شبه الجزيرة العربيّة والآخر ابتزاز دول مجلس التعاون لدول الخليج العربيّة، في مقدّمها المملكة العربيّة السعوديّة. هناك مجال يمني ثالث تستخدمه إيران. يتمثّل هذا المجال في توجيه رسالة إلى المجتمع الدولي فحواها أن اليمن ورقة في يدها.
ليس معروفا إلى اليوم ما إذا كانت النكسات التي تعرّض لها الحوثيون في شبوة سيكون لها تأثير على نفوذهم في صنعاء وجوارها وصولا إلى مشارف تعز حيث لديهم وجود قوي، إضافة في طبيعة الحال إلى ميناء الحديدة والمدينة نفسها. ما ليس معروفا هل ستستمر الحملة العسكرية للقوات التابعة للواء العمالقة التي كانت وراء إخراج الحوثيين من شبوة وتخفيف الضغط العسكري عن مدينة مأرب؟ كان طموح “جماعة أنصارالله” الاستيلاء على مدينة مأرب والتأكيد في الوقت ذاته أن إيران باتت تمتلك كيانا سياسيّا قابلا للحياة، يمتلك كلّ مقومات الدولة، يمتد من تلك المدينة إلى الحديدة.
كلّ ما يمكن قوله إنّ الأيّام والأسابيع المقبلة ستكون حبلى بالأحداث في اليمن، خصوصا أنّه ستتحدّد قريبا وجهة العمالقة الذين حسموا معارك شبوة التي هي في الأصل محافظة جنوبيّة. لشبوة أهمّية خاصة. هذا لا يعود إلى موقعها الجغرافي المهمّ، وهي مدخل إلى الجنوب كلّه، بل يعود ذلك إلى ما تمتلكه من ثروات طبيعية فضلا عن أن لديها واجهة بحريّة. ما لا يمكن تجاهله أيضا أن لشبوة حدودا مع مأرب والبيضاء المحافظتين الشماليتين ومع حضرموت وأبين في الجنوب.
الواضح، أقلّه إلى الآن، أنّ المعارك لا يمكن أن تتوقف عند الحدود التي كانت تفصل حتّى العام 1990 بين شطري اليمن، أي الدولتين المستقلتين اللتين توحدتا في ذلك العام وذابتا في كيان سياسي واحد. تشير آخر المعلومات إلى أنّ العمالقة تقدموا في أراضي محافظة مأرب. لكنّ القرار سيعود في نهاية المطاف إلى القيادة السياسيّة للعمالقة الذين لا علاقة لهم بما يسمّى “الشرعيّة”. كان من أطرف ما شهدته الأيّام القليلة الماضية مسارعة أركان “الشرعيّة”، بمن في ذلك رئيس الوزراء معين عبدالملك، إلى الاحتفال بانتصارات شبوة، علما أن لا علاقة لهذه “الشرعيّة” بتلك الانتصارات، لا من قريب ولا من بعيد. لو كان لدى “الشرعيّة” مشروعها الهادف إلى مقاومة الحوثيين لما كانت شرّعت لهم أبواب صنعاء صيف العام 2014. أمّا بالنسبة إلى الدفاع عن مدينة مأرب فالدور الأساسي في منع سقوطها يعود إلى القبائل المحليّة التي كانت ترى في ذلك السقوط مسألة حياة أو موت بالنسبة إليها. وهذا مردّه تحوّل الحوثيين إلى مجرّد مرددين لما تطلب “الجمهوريّة الإسلاميّة” الإيرانية ترديده من شعارات مذهبيّة.
في الواقع من لعب دورا في دعم عمليّة استعادة شبوة من الحوثيين كان سلاح الجوّ لدى التحالف العربي الذي استطاع توجيه ضربات مركّزة إلى القوات التابعة لهؤلاء. إضافة إلى ذلك لا يمكن مرور الكرام على الأخطاء التي ارتكبتها “جماعة أنصارالله”، خصوصا بعد اقتحامها حرم السفارة الأميركيّة في صنعاء واستمرار احتجازها خمسة من الموظفين المحلّيين في السفارة. جعل ذلك إدارة جو بايدن تعيد النظر، وإن جزئيا، في سياستها اليمنيّة.
يبقى أخيرا، في ظلّ التساؤل عن بدء تراجع المشروع الإيراني في اليمن، هل طبيعي بقاء العلاقة بين الحوثيين والتركيبة القبلية في شمال اليمن على حالها؟ لا شكّ أن الإنجاز الأهمّ للحوثيين تمثّل في تطويع القبائل. قاتل كثيرون من رجال القبائل المحيطة بصنعاء إلى جانب “جماعة أنصارالله”. كان بين هؤلاء أفراد من حاشد التي كانت قبيلة متماسكة أيّام الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر. ساعد ذلك في إخراج آل الأحمر من محافظة عمران التي كانت تعتبر معقلهم. في مرحلة لاحقة، تخلت معظم القبائل اليمنية عن علي عبدالله صالح، علما أنّه كانت لديه أفضال كثيرة على عدد لا بأس به من كبار المشايخ المنتمين إلى ما يسمّى قبائل الطوق. ترك هؤلاء الرئيس السابق يواجه الحوثيين وغدرهم وحيدا.
من الثابت حاليا أن هزيمة الحوثيين في شبوة كانت لها أصداؤها. لا يعني ذلك أنّ سقوطهم سيكون سريعا بمقدار ما يعني أنّ تغييرات طرأت على المشهد اليمني. يصعب التكهن بمدى عمق هذه التغييرات، خصوصا في غياب الاتجاه الذي سيسير فيه العمالقة بعد تطهير شبوة التي كان للحوثيين فيها حضور عبر عائلات وشخصيات نافذة.
يتراجع المشروع الإيراني في المنطقة كلّها. لا يمكن فصل تراجعه المحدود في اليمن عن عجز “الجمهوريّة الإسلامية” الإيرانيّة عن إيجاد نموذج صالح للتصدير غير الميليشيات المذهبيّة والغرائز التي عاثت خرابا في العراق وسوريا ولبنان. مثلهم مثل أيّ شعب في العالم، سيسأل اليمنيون في آخر النهار عن الخبز والماء والدواء وعن مستقبل أولادهم.
لا يستطيع المرء الذي عرف اليمن وأمضى فترات طويلة فيه سوى العودة بالذاكرة في كلّ يوم إلى صنعاء. تعود الذاكرة إلى أهلها المسالمين الذين فتحوا أبواب بيوتهم أمام كلّ من كان يكنّ ودّا لليمن. أهل صنعاء يستحقون أفضل بكثير من العيش في ظلّ التخلّف الحوثي والشعارات البالية التي لا تخدم سوى مشروع فاشل ليس لديه ما يصدره غير البؤس والحروب التي لا تنتهي. أي مستقبل لمشروع من هذا النوع في القرن الحادي والعشرين؟