كتابات وآراء


السبت - 09 أبريل 2022 - الساعة 02:27 ص

كُتب بواسطة : عبدالناصر المودع - ارشيف الكاتب


تشابه مشروع هادي للحكم مع مشروع سلفه صالح؛ فكلاهما كان لديهما رغبة في الاستحواذ على السلطة المطلقة والتمسك بها حتى الموت و توريثها لأبنائهم. غير أن الفرق بينهما يظهر في وسيلة تنفيذ هذه المشاريع والصفات الشخصية والظروف المصاحبة لحكمهم.

فصالح كان يحقق مشروعه من خلال اليمن الواحد الكبير، وعبر حزب منتشر في كل اليمن ويضم في عضويته مختلف شرائح وفئات الشعب اليمني الاجتماعية والاقتصادية والمذهبية وغيرها. وكان فريقه الحاكم، والذي ينفذ في نهاية المطاف مشروعه الخاص، يشمل أفضل العقول والخبرات ومن مختلف مناطق اليمن وفئاته.

كما أنه كان ينفذ مشروعه عبر مؤسسات دولة تحمل حد معقول من الاحترافية والكفاءة الفنية الضرورية لعمل تلك المؤسسات، والتي كان يهيمن هو وأسرته على المؤسسات الخشنة والإيرادية منها، فيما كان منتسبيها ينتمون إلى كل مناطق وفئات اليمن.

ونتيجة لطبيعة حكم صالح، التي أشرنا لها؛ فقد كان له قاعدة حكم عريضة، وشركاء في غنائم الحكم من معظم مناطق اليمن، وفقا لقربهم منه وأهميتهم لمشروعه. ووفقا لذلك؛ تمكن صالح من أصباغ مشروع حكمه الشخصي/العائلي بصبغة وطنية، وخاصة أثناء الأزمات، كما حدث في حرب 1994، حين التف حوله معظم الشعب اليمني لدحر المشروع الانفصالي.

في المقابل حقق هادي مشروعه الفردي/العائلي من خلال السعي لتفكيك اليمن، والذي تم تسميته مجازا بالـ (اليمن الاتحادي) فقد تم تحت هذا العنوان تفخيخ الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الفرعية (شمال جنوب) أو التي تم خلقها من قبله (هوية الأقاليم: سباء، الجند، تهامة، أزال، حضرموت) والهويات الأصغر من ذلك (هويات المحافظات والقبائل والمذاهب). فخلال حكمه الكئيب سعى وبكل الوسائل إلى إضعاف الهوية اليمنية الجامعة، باعتبارها تعبير عن "المركزية المقيتة" وهيمنة "الهضبة" التي تم تضخيم دورها الراهن والتاريخي لتحقيق ذلك الهدف.

وقد أعتمد هادي لتحقيق هدفه على خلق الحرشة وتضخيم الاختلافات الجغرافية والاجتماعية الطبيعية، واعتبارها شرا محضا. فبحسب الكثير ممن كان يلتقي بهم هادي؛ فإنه كان يستعدي المناطق والفئات بعضها ببعض. فحين كان يلتقي بسكان تعز وأب وتهامة ومأرب والجوف والبيضاء، كان يقول لهم بأن "الفدرالية" ستخلصهم وإلى الأبد من "هيمنة الهضبة" وستجعلهم يحكمون أنفسهم ويستفيدون من مواردها الطبيعية ومراكزها الحيوية. وفي المقابل كان يخاطب سكان الهضبة بأنها ستخلصهم من استيلاء سكان تعز وأب على الوظائف والتجارة في مناطقهم. وكان يخاطب الجنوبيين بأن الفدرالية ستمنحهم السيطرة على الجنوب وتخلصهم من "هيمنة" الشماليين، وكان يخاطب سكان حضرموت وشبوة بأن الفدرالية، إلى جانب أنها ستخلصهم من حكم الشماليين فإنها أيضا ستبعد عنهم هيمنة سكان "المثلث".

وكان في كل ذلك يتبع تكتيك يقوم على تحويل حالة التنوع الطبيعية في إي دولة والتعامل معها وكأنها شر ومشكلة يصعب التعايش معها في وطن واحد، وأن الحل يقوم على تحقيق انفصال وتفكيك فعلي للدولة استنادا لهذا التنوع. وقد لامس هذا الأسلوب هوى وأطماع الكثير من النخب المنتمية لتلك المناطق، لأنه كان يمنحها فرصة الحكم والاستحواذ على موارد مناطقهم. كما أن هذا الخطاب كان يلامس مشاعر الكثير من عموم الناس في هذه المناطق والتي عانت بشكل أو آخر هيمنة منطقة أخرى عليها.

إلى جانب ذلك؛ قام مشروع هادي الشخصي العائلي، على تفكيك المؤسسات الجامعة، الرسمية منها وغير الرسمية. ففي جانب المؤسسات الرسمية، وتحديدا الجيش وقوات الأمن، عمل على تفكيكها و إضعافها، تحت حجة إعادة هيكلتها وإبعاد هيمنة بعض المناطق عليها. وأما المؤسسات الحزبية الجامعة وتحديدا المؤتمر الشعبي فقد سعى لتفكيكه، وتم تشجيع الأحزاب والمكونات الجهوية تحت أسم الجنوب أو حضرموت أو تهامة أو غيرها.

وبحكم طبيعة مشروع هادي التفكيكي، فقد كان من الضروري أن يقتصر فريقه على أفراد أسرته وأبناء قريته وقلة صغيرة من الأصحاب وشركاء الفساد، فلم يكن بالإمكان استقطاب أشخاص أكفاء من خارج تلك الدائرة. وبحكم صغر حجم تلك الدائرة، وانعدام خبرتها في إدارة الشأن العام، كونهم لم يكونوا جزء من إدارة نظام صالح. وبحكم أيضا فسادهم الفج والفوضوي، الناتج عن صعودهم الصاروخي للسلطة؛ فقد فشلوا في إدارة إي مؤسسة تولوا إدارتها بما فيها مكتب هادي نفسه.

والنتيجة أن هادي بعد 10 سنوات من حكمه لم يمتلك أي حزب أو قوات عسكرية أو جهاز إداري. وكل ما كان لديه لديه اقتصر على مكتب رئاسة صغير في قصر ملكي اُدير فعليا من قبل أولاده. وكل ما كان يقوم به، الاستحواذ على موارد الدولة وتوزيعها دون رقيب أو حسيب، والتحكم كذلك في الوظائف العامة التي تم منحها للأهل والخلان من المحسوبين عليهم.

الخلاصة أن مشروع صالح الشخصي/العائلي حافظ على اليمن دولة واحدة، فيما مشروع هادي الشخصي/العائلي مزق اليمن شر ممزق.