عرب وعالم

السبت - 22 مارس 2025 - الساعة 08:47 م بتوقيت اليمن ،،،

وكالات


أكد الجيش السوداني الجمعة أنه سيطر بالكامل على القصر الرئاسي في وسط الخرطوم، وهو ما يمثل أحد المكاسب الأكثر رمزية في حربه ضد قوات الدعم السريع، ويفسح المجال أمام سيطرته على العاصمة السودانية قريبا خاصة أن قوات الدعم السريع أُنهكت عسكريا في الحفاظ على وجودها وفقدت الكثير من معداتها العسكرية وتسرب إلى نفوس عناصرها الشعور بالإحباط واليأس بسبب اختفاء قادة كبار فيها من معارك الخرطوم.

ويؤكد انتصار الجيش في معركة القصر وجود خطط محكمة بحوزته تعتمد على تكثيف النيران عن طريق مسيّرات في الجو، وجنود سلاح المشاة الذين تم دعمهم بكتائب تسمى بـ”المستنفرين”، وهم عناصر إسلامية ظهر دورها بوضوح في الأشهر الماضية، ولعبت دورا كبيرا في معارك جرت في ولايتي الجزيرة وسنار.

وذكرت مصادر سودانية أن محاور القتال حول القصر شهدت اشتباكات خلال الأيام الأربعة الماضية قبل أن تتمكن وحدات الجيش من اختراق الدفاعات عبر البوابة الشرقية، وباعتماد قصف مدفعي كثيف، وإنزالات برية من الشوارع الخلفية التي كانت تحت نيران القناصة، وعبر نفق قديم يعود إلى الحقبة الاستعمارية البريطانية.

ومكّنت الانسحابات التي ظهرت عليها قوات الدعم السريع أخيرا عناصر الجيش من السيطرة على أجزاء كبيرة من الخرطوم بعد أن تسللت إلى المفاصل المهمة والجسور الرئيسية في العاصمة، وفقدت الأولى جانبا من الإمدادات العسكرية القادمة من إقليم دارفور، في ظل محاصرة الجيش للخرطوم خلال مدة معينة.

وأخطأت قوات الدعم السريع في سيطرتها على أقاليم عديدة متناثرة بين غرب السودان ووسطه وشرقه وجنوبه. وعندما أعاد الجيش ترتيب صفوفه، بالتزامن مع انضمام حركات مسلحة إلى القتال بجانبه وتجنيد عناصر إسلامية جديدة، بدأت المعارك تتخذ منحى ليس في صالح الدعم السريع، حتى تم الوصول إلى معركة الخرطوم المصيرية بالنسبة إلى الجيش.

ويقول متابعون إن الطائرات المسيّرة التي حصل عليها السودان من تركيا وإيران أجهضت محاولات قوات الدعم السريع لتنظيم صفوفها ووفرت خرائط لأماكن تمركز عناصرها التي تم استهدافها بالتوازي مع تحرك المشاة والمستنفرين على الأرض، بما أضعف القدرة القتالية لديها، والتي تراجعت مع غياب عدد من القادة الميدانيين في الدعم السريع، وصعوبة توصيل الإمدادات العسكرية إلى الجنود بسبب بعد المسافات.

ويعيد ما يجري في السودان مشهد الطائرات المسيّرة التركية التي استهدفت قوات قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر عندما زحفت من بنغازي في شرق ليبيا إلى طرابلس في غربها، واضطرت الأخيرة إلى الانسحاب بسبب كثافة النيران التي واجهتها، وتعدد الميليشيات التي تصدت لها على مشارف طرابلس، وبعد المسافة بين تمركز القوات وعناصر الإمداد، وهو مصير قد يواجه قوات الدعم السريع في الخرطوم.

كما أن خسائر الدعم السريع في ولايتي الجزيرة وسنار أحدثت أثرها السلبي في صفوف الدعم السريع، وحينما حاولت زيادة عناصرها في الخرطوم والحفاظ على بقائها تحت سيطرتها فترة طويلة واجهت نقصا في الدعم العسكري القادم إليها من دارفور، مقابل تفوق ملحوظ في الدعم الذي وجده الجيش استعدادا لمعركة الخرطوم الحاسمة، ويراها قادته مقدمة لانتصارات تحشر الدعم السريع في زاوية دارفور.

وقال رئيس المكتب التنفيذي للتحالف الوطني بالسودان اللواء كمال إسماعيل لـ"العرب" إن توسع نطاق الحرب وانتقالها إلى عدة مناطق لم يكونَا في صالح قوات الدعم السريع، وإن طول أمد الحرب تسبب في تراجعها، بينما نجح الجيش في قطع خطوط الإمداد عن غالبية عناصرها البعيدة عن إقليم دارفور، ما جعلها أمام تراجع وليس انهيارا تاما، في ظل حالة الكر والفر التي تقوم عليها الحرب السودانية.

ونجح الجيش في التعامل مع هذه الحالة من خلال زيادة عدد جنود المشاة والمستنفرين، فضلا عن الاستعانة بعناصر الحركات المسلحة المتحالفة معه، والتي تجيد الكر والفر أيضا، ما أفقد قوات الدعم السريع أحد أقوى أسلحتها في معارك الشوارع بالخرطوم، وأفضى إلى ملاحقتها بالخسائر.

وأوضح اللواء إسماعيل لـ”العرب” أن الخبرات العسكرية الموجودة في الجيش السوداني ليست متوفرة في قوات الدعم السريع، وكلما طالت الحرب كان ذلك في صالح هذه الخبرات التي نجحت في توجيه المعركة لصالحها.

وتابع “الجيش يجب أن يوظف تقدمه عسكريا وتحسّن وضعه الميداني من خلال الجلوس على طاولة تفاوض، سيكون فيها هو الطرف الأقوى بفعل الموازين على الأرض، وعليه أن يدرك أن لا نهاية للحرب سوى بالذهاب إلى التفاوض وأن السيطرة على مناطق عديدة عملية ليست مضمونة، حال حدث اختلال جديد في القوى.”

وتكمن المشكلة في أن استمرار تفوق الجيش عسكريا يضعف فرص المفاوضات، حيث يزداد اقتناعه بأن المعركة لن تحسم سوى عن طريق الحرب، وكلما تقدم ميدانيا أحرز مكاسب مادية ومعنوية، بينما تتكبد قوات الدعم السريع خسائر من الناحيتين، وسوف يزداد موقفها ضعفا إذا خرجت من الخرطوم، لأن التموضع في دارفور ستكون له تداعيات خطيرة، ويفجر تناقضات اجتماعية كامنة في الإقليم على السطح.

وقالت القيادة العامة للقوات المسلحة السودانية في بيان لها الجمعة “توجت قواتنا نجاحاتها بمحاور الخرطوم، حيث تمكنت من سحق شراذم ميليشيا آل دقلو الإرهابية بمناطق وسط الخرطوم والسوق العربي ومباني القصر الجمهوري.”

ونشر الجيش مقاطع فيديو تظهر جنوده وهم يكبرون ويهللون داخل القصر الجمهوري الذي تحطمت نوافذه الزجاجية وغطت جدرانه ثقوب الرصاص. وردت قوات الدعم السريع بأنها لا تزال موجودة في محيط القصر الرئاسي بالخرطوم، وأن المعركة مع الجيش لم تنته بعد، وأنها تقاتل بكل شجاعة وإصرار.

واستهدفت قوات الدعم السريع القصر الجمهوري بـ”مسيرة انتحارية” بعد إعلان الجيش استعادة السيطرة عليه، وقتلت ثلاثة من أعضاء فريق تلفزيون السودان الرسمي الذين وصلوا إلى القصر لتغطية الحدث، كما قتلت وأصابت عددا من أفراد الجيش.

وتعني السيطرة على القصر الجمهوري انتهاء معركة وسط الخرطوم، فالجيش سيتمكن من استخدام عدة جسور تربط بين مدن العاصمة والحركة عبر جسري السلاح الطبي والفتيحاب الرابطين بين الخرطوم وأم درمان، وإدخال الإمدادات العسكرية من أم درمان إلى سلاح المدرعات جنوب الخرطوم، ما يؤدي إلى تحرك الجيش جنوبا تمهيدا لاسترداد مجمع اليرموك للصناعات الدفاعية.