الصورة تتحدث

الإثنين - 28 أبريل 2025 - الساعة 05:35 م بتوقيت اليمن ،،،

سامي الكاف


في عدن، لم يعد انقطاع الكهرباء مجرد انقطاع تيار، بل انقطاع آخر للأمل. الشعب يغلي من حرارة الشمس ومن حرارة الكارثة المعيشية، بينما ابن مبارك، الذي تسوّقه أبواق الإعلام وكأنه “واحد مننا”، مشغول جدًا.

لا بتوفير الكهرباء، ولا بالماء، ولا بإنقاذ الناس من الموت البطيء، بل بإقامة… ورشة عمل لمكافحة الفساد!

نعم، ورشة عمل حضرها “الفاسدون أنفسهم”، وهم جالسين يتبادلون الخبرات حول أنجع الطرق لإلقاء الخطب عن محاربة الفساد، بينما يواصلون مهامهم اليومية في إدارته وإعادة تدويره.

ورشة بسيطة كلفت على الأقل خمسة ملايين ريال (من جيب الدولة طبعًا، مش من جيب ابن مبارك ولي الله )، أموالٌ كان يفترض أن تذهب لترميم مولد كهربائي ميت أو صيانة خزان مياه مثقوب. لكن لا! الأولوية في بلد يموت فيه الناس من الجوع والظلام هي عمل شعارات شهادات حضور وطباعة “بنرات” مكلفة تتحدث عن… محاربة الفساد!

تخيلوا معي هذا المشهد العبثي: رئيس وزراء يقيم ورشة ضد الفساد، بأموال فساد، بحضور فاسدين، ليتحدثوا عن القضاء على الفساد! والله لو كتبها نجيب محفوظ لرُفضت الرواية بدعوى أن الحبكة غير منطقية!

ولأن العبث لا يكتمل إلا بالكوميديا السوداء الخالصة، لا ننسى دعم ابن مبارك الخاص للإعلاميين الذين يصفقون له ليل نهار، عبر مخصصات شهرية تصرف لهم، ليس لأنهم شرفاء أو مدافعون عن الحق، بل لأنهم ببساطة يعرفون من أين تُؤكل الكتف!

فبدل أن يدعم الإعلام الحر الذي يكشف الفساد، اصبح يدفع لمن يغطي عليه ويروّج له ويتهم من يتكلم عنه، ليصنع لنفسه صورة البطل الذي يحارب الفساد، وهو في الحقيقة يغذّيه تحت الطاولة.

ويا سادة، لا تنسوا موكب سيادته: مدرعات، أطقم، سيارات مصفحة، كأننا في تصوير جزء جديد من “فاست آند فيوريس: عدن إكستريم”، ميزانية موكبه ممكن تكفي لتشغيل محطة كهرباء لثلاثة أشهر!

أليس هذا فسادًا؟ أم أن القاعدة الجديدة عند اعلاميه هي:
“حق ابن مبارك حق.. وحق الشعب مرق”؟!

إلى ابن مبارك نفسه، نقولها بلا مواربة:

كفى تمثيلًا بدور “مكافح الفساد”، كفى ورشات، كفى محاضرات، كفى مؤتمرات… أصلح نفسك أولًا، أصلح مكتبك، أصلح منظومتك التي تنهار بالفساد من الداخل قبل أن تتشدق بمحاربة الفساد في الخارج.

الشعب لا يريد سماع شعاراتكم المملة ولا يرى دورات تدريبية كل ما تنتجه هو صور وفيديوهات للتسويق الرخيص.
الشعب يريد كهرباء، يريد ماءً، يريد أمانًا، يريد عملًا حقيقيًا على الأرض، لا حكايات من عالم الخيال.

واسمعها من مواطن غلبان على امره جيدًا:
إن قامت ثورة الجياع، فلن تنجو أنت ولا موكبك ولا ورشاتك ولا بنراتك.

لأن الجائع لا يقرأ شعارات، ولا يحضر ورشات، ولا يستمع للخطب.
الجائع حين يثور، يحرق كل شيء!