أخبار وتقارير

الإثنين - 20 نوفمبر 2023 - الساعة 11:27 م بتوقيت اليمن ،،،

عاصم بن قنان الميسري


1-[ماهو الصمت ]

الصمتُ لغةُ العظماء، فهي أجملُ وأبلغُ من لغة الكلام، كما أنّه علمٌ صعبٌ مقارنةً بعلم الكلام، ليسَ من السهل تفسيرُه. ويعتبر لغة الأقوياء والضعفاء، لغة الأقوياء لأنها مؤشرٌ واضحٌ على النضوج العقليّ، والحكمة، والخبرة الحياتيّة، ولغة الضعفاء الذين يخافون الكلام والمُستسلمين لصعوباتِ حياتهم.

للصمتِ جوانبُ إيجابيةٌ كثيرة مقارنةً بالجانب السلبيّ، إذ يمنحُ الشخصَ الطاقة الإيجابيّة والقوة، والمراد بالقوّةِ هنا القوّةَ العقلية، ويخلق الاحترام والمودة، ويمحو الكراهية، كما يعلّم فنَّ الاستماع والإصغاء، والذي يقلّلُ من حدّة المشاكل، خاصّة المشاكل بين الأزواج

2-[ ادله ومعجزات على آثار الصوم عن الكلام]

١- الصوم عن الكلام في آية سيدنا زكريا

في كتاب الله الكريم ربنا عز وجل سورة مريم وجدت معجزة عظيمة وهي معجزة الصوم كيف يجعل الله من طاقة الصمت قوة عظيمة ومعجزة تتحق ببضع ليالي وايام كانت كفيلة انت تكون آيه تترجم فعليا" بحدوث حمل لزوجة سيدنا زكريا وكيف كانت معجزة الصمت آيه بعد ولادة امنا مريم

الصوم عن الكلام يتبعه قدرات ومهارات فكان المولى عز وجل يستمع لدعاء ونداء زكريا الخفي وهو قائم يصلي في المحراب ويقول : ربي اني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم اكن بدعائك رب شقيا واني خفت الموالي من ورائي وكانت امراتي عاقرا فهب من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا

فكان خطاب بين قرارة نفس زكرياء المؤمن الصابر والمحتسب (اذ نادى ربه نداء خفيا ) وبين سميع بصير عليم (يازكرياء انا نبشرك بغلام اسمه يحيئ لم نجعل له من قبل سميا) كان كفيل بأن يجعل من الدعاء الخفي معجزة ، ولكن دائما" مايقبل الله الأسباب من اولياءه وعباده الصالحين فكان سبب عجز سيدنا زكريا بصورة عجز وتضرع لله بخلق عظيم ومناجاه بين المحب والحبيب بقوله (قال ربي انى يكون لي غلام وكانت امراتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا) يريد ان لايكون طلبه ثقيل على الله وان يستقبل الهبه من خالقه بأدب وتددلل حتى بعد ان بشره الله عز وجل ، فكان قول الروح الأمين قول لين مثلما وعتاب جميل (قال كذالك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا)

مع ذالك يبقى زكريا بموقف حرج وحياء من كرم الله وبشارته فيطلب من الله آيه تكون سبب في ارتزاقه بمولود لانه لايمكن ان يرزق الا بسبب الجماع بعكس معجزة المسيح ابن مريم فطلب من الله طلب وقال( ربي اجعلي آيه) تكون سبب في ان يرزقه الله بدريه ويقوي عظمة ويشد عزيمتة، فقال المولى عز وجل( قال آيتك الا تكلم الناس ثلاث ليال" سويا) ...صوم عن الكلام

لذالك البعض مع الاسف لايتدبر القرءان ويعتقد ان امراءة زكرياء بعد هذا الدعاء حملت من تلقاء نفسها فهذا غير منطقي ويتنافى مع قوله تعالى ومع حكمته وعدله في الحياة فكان آيه زكرياء اي علاجه الصمت والصوم عن الكلام وذالك لايتم الا بقدرات ومهارات سندكرها لاحقا" ولكن كانت ابرز قدرات زكرياء ان يصوم ثلاث ليال ،لماذا ليال" (مساء) وليس ايام (نهار) ؟

لكي تتحفز قدرة الله وطاقته بسبب الذكر الذي كان دواء لعقم سيدنا زكرياء وضعفة وقله حيلته وهو الذكر العظيم بداية السورة بسم الله الرحمن الرحيم (كهيعص) ماهو هذا يارب ؟

يقول المولى ( ذكر رحمة ربك عبدة زكرياء) متى (اذ نادى ربه نداء خفيا)
طبعا" سبق واخدنا دروس انا ومجموعة من الزملاء في هذا الجانب باحدى الأكاديميات العلمية على تطبيق التلجرام بمحاضرة وعدة دروس لاستاذنا العزيز اكرم الشناوي ربنا يكتب اجره ، كنت حينها في تلك الفترة لم ارزق بدرية فنصحني بهذة الطريقة في اتباع مهارة الصمت عن الكلام من بداية المساء الى نهايته مع الالتزام بالذكر لكن وجدت صعوبة في الموضوع ولم اكن استطيع تطبيقه لأسباب عديدة.

٢- معجزة آيه الصمت للسيدة مريم عليها السلام

يُعتبر الصمت فنّاً في التعامل مع الآخرين، لا يتقنُه الكثيرون ويحتاجُ إلى جهد ووقت لتعلّمه. ويمكنُ تعريفُه على أنّه قدرة الأشخاص على التحكّم في أفكارهم، إيجابيّةً كانت أم سلبية ، ففي حادثة اخرى في نفس السورة يخبرنا الله عن احوال أمراءة عظيمة من أطهر نساء العالمين واتقاهن ورعا" وزهدا" وعبادة امراءة من بيت اسرة دين اشتهرت بتقلد مناصب خدمة بيوت ومحاريب الله جيل بعد جيل اسرة دكرها الله في كتابة واصطفاها على العالمين (ان الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين) فنذرت امراءة عمران مافي بطنها محررا لله رب العالمين فوضعت انثى وسمتها مريم واستعاذت بالله بها وذريتها من الشيطان الرجيم

يقول المولى عز وجل (واذكر في الكتاب مريم اذ انتبذت من اهلها مكانا شرقيا ) تبدئ اولى مراحل هذة الامراءة الطاهرة بإعتزال اهلها كليا" (انتبذت) كالمنبوذ عن الناس ، (فأتخدت من دونهم حجابا" ) لايرونها ولا تراهم ربما ان الله امتحنها بإمتحان عظيم جعلها تتخد هذا القرار قبل ان ينزل اليها الروح الأمين لكي لايراها مخلوق ابدا لاننا امام مرحله ليست هينة (فأرسلنا اليها روحنا فتمثل لها بشرا" سويا)

كنت عندما اسمع هذة الآيه اعتقد ان المعني بها سيدنا عيسى ولم اكن اعلم انه جبريل عليه السلام لذالك استقام لدي المعنى في قولها (قالت اني اعوذ بالرحمن منك ان كنت تقيا) وصف الله جبريل ببشر سويا فتعوذت منه اولا" بطبيعة الحال ولكن لما استقر روعها تراجعت شويه وقالت "ان كنت تقيا" فماذا قال لها وما هو السر ان يجعل الله عيسى دون أب و آيه للعالمين؟

فهل بعد هكذا معجزة الناس تكفر وتستمر بالمعصية كما فعل بني إسرائيل ، فقال لها جبريل (قال انما انا رسول ربك لأهب لك غلام زكيا ) لاتفزعي ولا تجزعي واصبري لوجه الله ،فكان جوابها مزلزل وعظيم يقشعر البدن لسماع مثل هكذا كلمات من امراءة وهبت نفسها لله ولمحاريبة ومعابده فقالت الطاهرة النقية لجبريل (قالت انى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم اك بغيا) اللفظ نفس اللفظ ونفس الأسلوب لعباد الله الصالحين زكريا ومريم

فقال لها جبريل نفس قوله لزكرياء عليهما السلام (قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا) اذا سر وجود عيسى بهكذا طريقة كانت آيه للناس ربما اشتهر امر معين ومعتقد اراد الله تصحيحه بآيه ومعجزة لعل الناس ترجع وتهتدي فما كان من الحرة الطاهرة الى ان سلمت امرها لله(فحملته فأنتذبت به مكانا" قصيا ) طبعاً تكون في الرحم كما يتكون الجنين

فهل انتم متصورين المشهد من ساعة ما نذبت عن اهلها مكانا" شرقيا في البداية وبعد ان حملت انتذبت مكانا" اخر قصيا لحين ما اتاها المخاض كل تلك الفترة والمراءة في حيرة من أمرها ماذا سيكون موقفي من اهلي ومن الناس وأقوالهم كيف سأبرر حملي هذا ولكن هناك دوما" رب سميع عليم بصير

فلما حان وقت المخاض ( فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا) إنفجرت من صبرها وتمنت انها لم تخلق مابين ألم المخاض لان الله يقول مخاض وليس ولاد اي عانت مثلما تعاني اي امراءة بكر ساعة الولاد وبين همها بأهلها وكلام الناس إمتحان عظيم لأمراءة من اطهر نساء العالمين فأتت البشارة العظيمة المعجزة (فناداها من تحتها ألا تحزني)

تخيل طفل يولد كان الوحيد في مواساه امه يتحدث ويصبرها لكي ينسيها ما مرت به من صعاب وامتحان ولكي لاتفزع ولكي تطبق السبب قال لها(وهزي اليك بجدع النخله تساقط عليك رطبا" جنيا ) كان الله قادر ان يرزقها ولكن السبب دائما" مطلوب كما طلبه زكريا في ان تهز بيدها فقط النخله (فكلي واشربي وقري عينا) ارتاحي وقري عينك ونامي

واما آية وجودي ولم يمسسك بشر فمطلوب منك الآتي (فاما ترين من البشر احد فقولي اني ندرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا) وهنا كان سبب ومعجزة صومها في نطق ابنها المولد يكلم الناس في المهد بعد ان سمعت عتاب شديد(فأتت به قومها تحمله قالوا يامريم لقد جئت شيئا" فريا ) وهنا انعقد لسانها كليا عن الكلام ولأن الله يعلم ذالك الموقف مسبقا طلب منها السبب في آية صمتها فقط وسينجيها الله من كربتها هذة (يآخت هارون ماكان ابوك امرء سؤ وماكنت امك بغيا ) ارتبط لسانها وكانها عجماء (فأشارت اليه ) فقط هذا ما استطاعت فعله وهداها الله اليه

(قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا) وهنا كانت آيه وجود خلق نبينا عيسى شي غير بديهي وغير منطقي يكون معجزة يهدي بها الله عبادة فنطق الصبي في المهد و(قال اني عبدالله آتني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا" اين ماكنت واوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا *وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم اموت ويوم ابعث حيا * ذالك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون )

اذا" كان الصمت معجزة وآيه لمدة ثلاث ليال في ارتزاق سيدنا زكرياء بالدرية ، وكان الصمت آيه ومعجزة وتنفيس كربة للسيدة مريم جعل الله بسببه أن ينطق ابنها في المهد ويبشر قومه بالكتاب والصلاه والزكاة وبر بوالدته ولم يجعله جبار شقيا وهذا كان سر وجزاء إللاهي في ابتلاء الصالحين في معجزة الصمت والصوم عن الكلام والمقدرة والمهارة المتبعة في تحقيق معجزة الله لزكرياء ومريم عليهما السلام

3-[كيفيّة إتقان فنّ الصمت]

في الناحية العلمية تختلف قدرات ومهارات النّاس في قابلية تعلّم الصَّمت من حيث مستوى وعي الفرد، ومدى قدرته على احترام الآخرين من حوله وفهمهم، ومن الممكن أن يُدرّبَ الفرد نفسه على اكتساب مهارة وفنّ الصَّمت؛ من خلال العديد من التمارين والطُرق والخطوات البسيطة على سبيل المثال:

١- الالتزام بالطاعات من صلاةٍ وقراءة القرآن
٢-تعزيز الثقافة في جميع مجالات الحياة

٣-الصمت يجعلُ من الشخص أكثر إدراكاً لفائدةِ ضبط النفس عند الغضب والتفكير في الأجر والثواب في الدنيا والآخرة.
٤-وجود شخصٍ قدوة، وخير قدوةٍ لنا الرسول الكريم سيّدنا محمّد -عليه الصلاة والسلام-، حيثُ كان لا يتحدّثُ إلا عند الضرورة، ولتحقيق الفائدة للناس.

٥-الإرادة والعزيمة في إتقان فنّ الصمت، والتقليل من الكلام، وذلك يكون بتعويد اللسان على الصمت في المواقف الحياتية التي يمر بها في حياته اليوميّة.
٦-تدريب النفس باستمرار على قلة الكلام والتزاام الصمت، والتحلّي بالصبر، لأنّ تعلم فن الصمت يحتاجُ إلى ممارسةٍ لفترة طويلة.

٧-التحلّي بالثقة في النفس، والتي تعملُ بطريقة غير مباشرة على تمالك الشخص لأعصابه عند المواقف المستفزّة أو الصعبة، وبالتالي اكتساب فن الصمت الإيجابيّ.
٨-التعوّد على كتم الأسرار وعدم البوح فيها لأحد، وهذا السلوك يلعب دوراً كبيراً في إتقان فنّ الصمت.

٩-التذكّر دائماً أنّ الصمت من أقوى الأسلحة عند الإنسان، إذ يجعلُ منه شخصاً أكثرَ احتراماً واتزاناً.

فإذا طلبت الله معجزة فأعتزل الناس واحفظ لسانك عن الكلام الا بالذكر يقوي الله طاقتك وعزيمتك ويلهمك ما تتمنى ، واذا وقعت بلاء وكرب وإمتحان فلا تشتكي الناس مابك بل حتى لاتكلم إنسيا واصبر سينطق الله لأجلك خصمك بالعدل وينطق الله من شهد عليك زورا بالحق ويهب لك الله من يدافع عنك وينوبك بغير لاحول لك ولا قوووة الا بالله ، حتى ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول من يضمن لي لسانه عن الناس ضمنت له الجنة

أسعدتم صباحا" بنور الله
ابو عصمي الميسري