عرب وعالم

الثلاثاء - 19 سبتمبر 2023 - الساعة 07:00 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


أفرجت إيران الاثنين عن 5 سجناء أميركيين مقابل إفراج الولايات المتحدة عن سجناء وأموال إيرانية مجمدة، في صفقة انتقدها كثيرون، لكن السؤال المهم هو عما إذا كان الاتفاق قد يؤدي إلى اتفاقيات مستقبلية لتسوية خلافات تمتد من الأزمة النووية بين إيران والولايات المتحدة إلى نفوذ طهران في أنحاء منطقة الشرق الأوسط عبر وكلاء بينهم حزب الله المدجج بالسلاح في لبنان على حدود إسرائيل.

وأثار تحويل الأموال الإيرانية التي تناهز 6 مليارات دولار انتقادات من الجمهوريين الأميركيين الذين يقولون إن الرئيس الديمقراطي جو بايدن يدفع في الواقع فدية للإفراج عن مواطنين أميركيين، بينما دافع البيت الأبيض عن الاتفاق.



وقالت مصادر ومسؤولون مطلعون إن الاتفاق تم بعد أشهر من اتصالات دبلوماسية ومحادثات سرية ومناورات قانونية، وكانت المفاوضات برعاية قطر. واستضافت الدوحة ثماني جولات على الأقل لاجتماعات سرية غير مباشرة بين طهران وواشنطن منذ مارس 2022.

وكانت الجولات السابقة مخصصة بشكل رئيسي للخلاف النووي بين طهران وواشنطن، لكن بمرور الوقت تحول التركيز إلى السجناء إذ أدرك المفاوضون أن المحادثات النووية لن تؤدي إلى شيء لأنها معقدة.

وأُعلن عن الاتفاق لأول مرة في العاشر من أغسطس عندما سمحت إيران لأربعة مواطنين أميركيين محتجزين بالانتقال من سجن إيفين في طهران إلى الإقامة الجبرية في المنزل. وكان الخامس محتجزا بالفعل في المنزل.

وبعد شهر، رفعت واشنطن عقوبات للسماح بتحويل أموال إيرانية إلى بنوك في قطر، التي ستضطلع بدور المراقبة كي تضمن أن إيران ستنفق الأموال على سلع لا تخضع لعقوبات.

وانسحب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2018 من الاتفاق النووي الإيراني الموقع في 2015 مع ست قوى عالمية وأعاد فرض عقوبات قاسية على طهران بهدف تقليص صادراتها من النفط الخام إلى الحد الأدنى، في إطار حملة ممارسة “الحد الأقصى من الضغط” على الجمهورية الإسلامية.

وكوريا الجنوبية كانت في العادة من بين أكبر المشترين للنفط الإيراني، وتلقت في 2018 إعفاء مؤقتا من العقوبات الأميركية لتتمكن من مواصلة شراء النفط الإيراني لعدة أشهر بعدها.

لكن بعد أن فرضت واشنطن حظرا كاملا على صادرات النفط الإيرانية وعلى قطاعها المصرفي في 2019، تم تجميد إيرادات النفط الإيرانية في سول، وكانت قيمتها سبعة مليارات دولار.

وقالت السلطات الإيرانية إن طهران خسرت ما يقرب من مليار دولار من أصولها المودعة في البداية في سول بسبب انخفاض قيمة العملة الكورية الجنوبية مقابل الدولار الأميركي.

ورأى محللون أن الاتفاق الجديد الذي تم التوصل إليه بعد أشهر طويلة من المفاوضات في الكواليس، يؤذن بتخفيف حدة التوتر بين الخصمين وقد يفضي إلى المزيد من الجهود الهادئة للتعامل مع مخاوف منها ما يتعلق ببرنامج إيران النووي وتسارع وتيرته منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي لعام 2015.

إلا أنهم استبعدوا أن يمهّد الاتفاق لتفاهمات أكبر خصوصا بشأن النووي، لاسيما مع اقتراب ولاية بايدن من نهايتها واستعداد واشنطن للدخول في أجواء الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر 2024.

واستخدمت المؤسسة الدينية الحاكمة في إيران العداء للولايات المتحدة دائما كعامل حشد للجماهير برغم العزلة السياسية والمشكلات الاقتصادية التي تفاقمت بسبب العقوبات، منذ قطع واشنطن للعلاقات مع طهران بعد فترة وجيزة من الثورة الإسلامية في 1979.

وربما يسمح الزعيم الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي بتحسن محدود في العلاقات مع الولايات المتحدة التي تصفها إيران بـ”الشيطان الأكبر” في ظل تنامي الغضب العام في بلاده من التحديات الاقتصادية وتبعاتها، لكن مصادر إيرانية مطلعة ترى أن تطبيع العلاقات الكامل مع واشنطن سيعني تجاوز خط أحمر للثورة الإسلامية.

وتقول إن الزعامات الدينية تخشى أن يُضعف تطبيع العلاقات مع واشنطن شرعية الجمهورية الإسلامية ونفوذها في المنطقة، إضافة إلى إلحاق الضرر بسلطة خامنئي في الداخل الإيراني.

وأثارت الصفقة انتقادات غربية أيضا، إذ إنها تكرس حسب قولهم لـ”دبلوماسية الرهائن” التي تشجع الحكومات الاستبدادية على مواصلة نهجها العدائي.

ويقول الأستاذ في كلية العلوم السياسية في باريس إتيان دينيا مؤلف كتاب حول الرهائن إن “معضلة الحكومات كلاسيكية. من خلال الإفراج عن الأصول، يكافئون بطريقة ما جريمة ويشجعون الدول على مواصلة دبلوماسية الرهائن”.

ويضيف أن الانتقادات “في محلها”، خصوصا أن موسكو وطهران وبكين تستهدف أشخاصا وفقا لجنسياتهم “خلافا للجماعات المسلحة التي لا تعرف مسبقا هوية الشخص الذي تحتجزه”.

ويشدّد المستشار المتخصص بالشؤون الأمنية دارن نايير، الناشط في مجال الإفراج عن الرهائن، على أن عدد حالات “رهائن الدولة” المعروفة زاد “في السنوات الأخيرة”.

ويشير إلى أن “غالبية الأميركيين الذين كانوا معتقلين في الخارج قبل عشر سنوات كانوا محتجزين لدى جهات غير تابعة للدولة في بلدان مثل سوريا واليمن والصومال، وأما اليوم فغالبيتهم معتقلون لدى سلطات إيران وفنزويلا وروسيا والصين”.

ويرى متابعون أن الاتفاق يؤشر على انخفاض النفوذ المالي للولايات المتحدة، فمن خلال تقديم 16 مليار دولار لطهران، تقوض الولايات المتحدة نفوذها المالي على إيران.

ويقول المتابعون إن مكافأة النظام الإيراني بالعملة الصعبة وتفكيك العقوبات الأميركية لا يتركان لواشنطن سوى خيار عسكري كوسيلة لثني طهران عن التحول إلى سلاح نووي.

كما يشجع الاتفاق القوى المعادية الأخرى. وفي الوقت الحالي، تحتجز روسيا الأميركيين كرهائن، وقد أبدت الصين استعدادها لأن تحذو حذوها. ونظرا لأن الاتفاقية علامة ضعف، فقد تشجع الدول والكيانات المتعارضة على القبض على الأميركيين من أجل ممارسة النفوذ على واشنطن.

ويشير المحللون إلى أن الاتفاق يظهر أن النظام الإيراني يستفيد من تخفيف العقوبات لتصعيد سلوكه الخبيث في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

وتشدد إدارة بايدن على أنه يمكن لإيران استخدام هذه الأموال حصرا لشراء الأغذية والأدوية والسلع الإنسانية الأخرى التي لا تشملها العقوبات الأميركية. إلا أن بعض المسؤولين في طهران ألمحوا إلى عدم وجود قيود على إنفاق هذه الأرصدة.

لكن واشنطن حذّرت من أنها قد تعيد تجميد الأصول في حال استخدمتها طهران في غير الغايات الإنسانية المحدّدة.

ويأتي اتفاق تبادل السجناء والإفراج عن الأصول بعد زهاء عام على انهيار مباحثات هدفت إلى إحياء الاتفاق النووي.

وأتاح الاتفاق بين إيران والقوى الكبرى تقييد الأنشطة النووية للجمهورية الإسلامية في مقابل رفع عقوبات اقتصادية عنها. لكن واشنطن انسحبت أحاديا منه في 2018 وأعادت فرض العقوبات، ما دفع طهران إلى التراجع تدريجيا عن التزاماتها النووية، خصوصا في مجال تخصيب اليورانيوم.

وأجرت إيران والقوى الكبرى، بتسهيل من الاتحاد الأوروبي ومشاركة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، مباحثات اعتبارا من أبريل 2021 لإحياء الاتفاق، من دون أن تؤدي إلى نتيجة.