الثلاثاء - 11 أكتوبر 2022 - الساعة 01:43 ص
الاجتماع السابع والسبعون لدورة الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام كانت مناسبة كالمعتاد لأن يقوم زعماء العالم وممثلو الدول بعرض مواقف بلادهم حول بعض القضايا الدولية.
وكان موضوع توسيع نطاق عدد الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إحدى القضايا التي تم تطرق إليها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن، من الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي منذ الحرب العالمية الثانية التي تأسست فيها الأمم المتحدة في سان فرنسيسكو في أكتوبر (تشرين الأول) 1945.
مما يعني أن تركيبة الأعضاء الخمسة الدائمين (الولايات المتحدة، والاتحاد الروسي - الاتحاد السوفياتي، وبريطانيا، وفرنسا، والصين) لم تتغير عضويتهم منذ تلك التاريخ.
فكرة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي هي وليدة رؤية الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت، حول الحاجة لضمان السلم والأمن الدوليين بإعطاء الدول الكبرى مهام تولي وظيفة شرطي العالم، وذلك بسبب القوة والإمكانيات التي تمتلكها لوضعها في خدمة المجتمع الدولي.
بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1991 أدى الأمر إلى اختلال موازين القوى في مجلس الأمن وإلى ظهور واقع جديد فرضته الأحادية القطبية على الساحة الدولية التي تجسدت عملياً مع حرب الخليج الأولى بهيمنة الولايات المتحدة على مجلس الأمن واحتكار قراراته. كما أن ظروف ما بعد الحرب العالمية أظهرت بروز قوى اقتصادية وعسكرية تطالب بدور لها في المجلس. أيضاً استقلال عدد كبير من الدول المستعمرة سابقاً، وازدياد عدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي كان عدد أعضائها الأساسيين عند تأسيسها إحدى وخمسين دولة عضواً منها المملكة العربية السعودية والعراق من الدول العربية، في حين أصبح عدد أعضائها الآن يبلغ 193 دولة، رأت أنها لا تمثل تمثيلاً عادلاً في المجلس وطالبت بناءً على ذلك بتغيير تشكيلة مجلس الأمن لتكون أكثر انسجاماً مع التطورات الجديدة.
وطُرحت في هذا الصدد عدة مقترحات حول توسيع نطاق العضوية في مجلس الأمن سواء على مستوى الأعضاء غير الدائمين في المجلس أو على مستوى الأعضاء الدائمين.
وجاءت مبادرة الدول المستقلة بطلب تغيير عدد الدول غير الدائمة الممثلة في المجلس ولاقى هذا الطلب موافقة الأعضاء الدائمين. وبناءً عليه تم في عام 1965 زيادة عدد الأعضاء غير الدائمين من ستة إلى عشرة أعضاء، ليبلغ إجمالي أعضاء مجلس الأمن خمسة عشر عضواً بما فيها الأعضاء الخمسة دائمو العضوية.
وكان لتداعيات مضاعفة أعداد الدول النامية باستقلالها أن نتج عنها زيادة عدد الدول غير الدائمة في مجلس الأمن وتغيرت التركيبة السياسية في المجلس. ففي عام 1945 حين كان عدد أعضاء المجلس أحد عشر عضواً كان هؤلاء يمثلون على وجه التقريب خُمس أعضاء الأمم المتحدة. وأصبحوا في الوقت الحالي مع موجة الاستقلال والتغييرات يمثلون واحداً مقابل ثلاثة عشر عضواً، وهذا يعني إمكان إحداث تغيير من دون إجراء تعديل على ميثاق المنظمة الدولية.
والمثال الصارخ على ذلك تمثل في الاختلاف بين ما هو منصوص عليه في الميثاق وما حدث فيه من تغيير من دون تعديله، فقد حددت المادة 23 من الميثاق بالاسم الأعضاء الدائمين للمجلس: جمهورية الصين، وفرنسا، واتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة.
في عام 1971 تمت دعوة الصين الشعبية لتمثيل الصين في مجلس الأمن بديلاً عن الصين الوطنية (تايوان)، وذلك بقرار صدر من الجمعية العامة للأمم المتحدة التي هي مخولة بتسمية ممثلي الدول في المنظمة. واتُّخذ قرارها هذا بأغلبية ثلثي أعضاء المنظمة وجل من صوّت على القرار هم من الدول النامية المستقلة. وهذا يعني أن الولايات المتحدة بعد أن فقدت الأغلبية التي كانت تتمتع بها سابقاً فقدت أيضاً الأقلية المعطِّلة.
والحدث الثاني المهم يتعلق بخصوص روسيا في عام 1992 التي حلّت عبر نظام التوارث الدولي محل الاتحاد السوفياتي الذي انهار في ذلك التاريخ. والجهة التي وافقت على هذا التعديل الذي حدث في مجلس الأمن الدولي نفسه هي اجتماع القمة التاريخية الأولى لرؤساء الدول والحكومات في فترة ولاية كوفي أنان، الأمين العام للمنظمة في ذلك الحين.
المطالبة بتغيير تشكيلة مجلس الأمن الدولي لم تنفك من طرح عدة مقترحات تقدمت بها عدة أطراف من داخل المنظمة ومن خارجها. ومن دون استعراض تفاصيلها نشير هنا إلى بعض المقترحات التي يمكن تقسيمها إلى نوعين من المقترحات؛ مقترح يرمي إلى زيادة عدد المقاعد الدائمة في مجلس الأمن بقبول أعضاء من الدول الصاعدة لإضفاء تمثيل جيوسياسي يتيح تناول ومناقشة قضايا لا تلقى اهتماماً لدى الأعضاء الدائمين في الوقت الراهن يعطي تمثيلاً وقبولاً أفضل لقرارات المجلس من المجتمع الدولي. وفي ظل هذا المقترح يتطلب الأمر تحديد معايير اختيار الدول المؤهلة كأعضاء دائمين.
والمقترح الآخر ينطلق من الاحتفاظ بالأعضاء الدائمين الخمسة الحاليين وبالإمكان معالجة الانتقادات الموجهة لهم بعدم احترامهم للقاعدة القانونية في المساواة في السيادة للدول من خلال زيادة أعداد الدول غير الدائمة في المجلس وتغيير شروط ممارستهم خلال مدة ولايتهم في المجلس لسنتين وأربع سنوات قابلة للتجديد.
وتفاوتت مواقف الأعضاء الدائمين إزاء تلك المقترحات. أيّدت فرنسا توسيع عضوية المجلس بـ25 عضواً ويكون من بين الأعضاء الدائمين ألمانيا، واليابان، والهند وإحدى الدول الأفريقية (جنوب أفريقيا)، في حين تميز موقف بريطانيا بالتردد إزاء هذا المقترح متمسكةً بحق النقض للأعضاء الدائمين الأصليين.
وبقية الأعضاء الثلاثة مثل روسيا لا تقبل زيادة أكثر من 20 دولة، والصين ترفض قبول اليابان في المقترح للأسباب التاريخية المعروفة، والولايات المتحدة مثل روسيا رفضت المقترح بزيادة عدد الأعضاء الدائمين الذي سيؤدي إلى فقدان مجلس الأمن لفاعليته.
وللحديث بقية.
مقالة الدكتور محمد علي السقاف
في الشرق الاوسط ، بتاريخ ١١ اكتوبر ٢٠٢٢