الثلاثاء - 02 أبريل 2024 - الساعة 03:34 ص بتوقيت اليمن ،،،
العرب
تجاوز الضجيج الإعلامي والجدل السياسي الدائر في اليمن حول قيام جماعة الحوثي بسكّ عملة معدنية من فئة 100 ريال، حجم ما يمكن أن تحدثه العملية من أثر في الوضع المالي والاقتصادي في البلاد.
وبينما بدا أنّ الهدف من العملية هو تعويض العملة الورقية من ذات الفئة والتي نال الكثير منها تلف واهتراء جرّاء كثرة التعامل بها وتعذّر إعادة طبعها محليا لعدم توفّر التقنيات اللاّزمة لذلك، في حين أن طبعها في الخارج غير متاح للحوثيين بفعل عدم الاعتراف دوليا بالبنك المركزي الذي يديرونه من العاصمة صنعاء، اتهم رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي جماعة الحوثي بتدمير القطاع المصرفي في البلاد.
ومن جهته وصف البنك المركزي في عدن العملة التي سكّها الحوثيون بالمزورة ودعا إلى عدم التعامل بها. وقال في بيان إنّ “هذا الفعل التصعيدي الخطير وغير القانوني لا يأخذ بعين الاعتبار بأي شكل من الأشكال مصالح المواطنين”، مؤكّدا الاحتفاظ “بحقه القانوني في اتخاذ الإجراءات القانونية الاحترازية لحماية الأصول المالية للمواطنين والمؤسسات المالية والمصرفية”.
واعتبر مختصّون في الشؤون المالية والاقتصادية توصيف القضية على هذا النحو مبالغا فيه، متوقعين أن تكون وراءه دوافع سياسية ذات صلة بالحملات المتبادلة بين السلطة الشرعية التي يمثّلها وجماعة الحوثي التي دأبت من جهتها على مهاجمة الشرعية ووصف الأطراف المنتمية إليها بأقذع الأوصاف والنعوت.
وقلّل هؤلاء من إمكانية تأثير العملة الجديدة في الأوضاع المالية والاقتصادية اليمنية بالغة السوء، كما استبعدوا أن يجني الحوثيون أي مكاسب حقيقية من سكّ العملة، معتبرين في المقابل أنّ فائدتها الوحيدة المنتظرة هي تسهيل التعاملات التجارية والتبادلات في الداخل اليمني، بعد أن شكّلت العملات الورقية المهترئة مشاكل حقيقية للمتعاملين بها.
ولفت المختصّون إلى أنّ المشاكل المالية والاقتصادية في اليمن تتجاوز بكثير مجرّد سك عُملة محلية أو طبع أوراق مالية جديدة، مشدّدين على وجوب اتّخاذ إجراء أشمل وأعمق لمعالجة تلك المشاكل ووقف تأثيراتها المدمّرة على الوضع الاجتماعي لسكان اليمن ومعيشهم اليومي.
ويعرف الريال اليمني منذ أشهر تدهورا كبيرا في قيمته مقابل الدولار الأميركي حتى بلغ مؤخّرا سقف 1700 ريال للدولار الواحد في مناطق الشرعية اليمنية، بينما ظل عند حدود 600 ريال للدولار في مناطق سيطرة الحوثيين.
وتسبب ذلك في حالة من التضخّم جرّت وراءها غلاء فاحشا في أسعار المواد الأساسية غير المتوفّرة أصلا بالكميات الكافية، وخصوصا تلك المستوردة من الخارج نظرا لضعف القدرة المالية على استيرادها بالإضافة إلى اضطراب حركة التجارة الدولية عبر المياه الإقليمية لليمن والممرات البحرية المحاذية له بسبب استهداف الحوثيين للسفن التجارية بذريعة دعم قطاع غزّة في الحرب الإسرائيلية ضدّه.
ولا تمثّل المعركة الناشئة حول العملة المعدنية الجديدة أول مظهر للصراع بين الشرعية اليمنية والحوثيين حول المسائل المالية والبنك المركزي ومجالات تعامله.
وتراجع البنك المركزي في عدن مؤخّرا عن قرار كان قد اتّخذه قبل أيام بوقف التعامل مع خمسة بنوك تجارية اتهمها بمخالفة تعليماته بحصر تحويل الأموال على الشبكة الموحدة التي يشرف عليها البنك في عدن واستمرار تلك المنشآت في التعامل مع شبكات تحويل الأموال إلى مناطق الحوثيين.
ومثّل القرار والتراجع عنه في وقت وجيز دليلا على ارتباك الشرعية في إدارة الأوضاع المالية والاقتصادية في مناطقها، وعدم قدرتها على تنفيذ إصلاحات حقيقية لمعالجة تلك الأوضاع، والانسياق في المقابل وراء معارك سياسية وإن بواجهات مالية على غرار المعركة الهامشية حول العُملة المعدنية للحوثيين والتي “تساوي بالكاد ثمن المعدن الذي سكّت منه”، بحسب تعليق أحد النشطاء اليمنيين على منصة إكس.
وأرجع محمد جمال الشعيبي، أستاذ الاقتصاد السياسي في جامعة عدن، انزعاج السلطة اليمنية المعترف بها دوليا من الخطوة التي أقدم عليها الحوثيون إلى سبب سياسي يتمثل في ما رأته في العملية من انتقاص من شرعيتها وشرعية المؤسسات الراجعة لها بالنظر بما في ذلك البنك المركزي في عدن.
وقال متحدّثا لوكالة سبوتنيك الروسية “أما بالنسبة إلى المخاوف المتعلقة بسعر الصرف وغيرها فإن إجراء صنعاء لا يمثل أي تهديد اقتصادي لمناطق الشرعية، كون ذلك الأمر لا يتعدى عملية استبدال للعملة الورقية التالفة من فئة المئة ريال في الوقت الذي لا تتوفر لدى مناطق سيطرة الحوثيين أي مقومات فنية تمكنهم من طباعة عملة ورقية بدلا من التالفة”.