عرب وعالم

الثلاثاء - 15 أبريل 2025 - الساعة 12:29 م بتوقيت اليمن ،،،

العرب


توفر زيارة رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام إلى دمشق ولقاء الرئيس السوري أحمد الشرع فرصة لبدء مرحلة جديدة بين البلدين بعد فترة من التوتر أعقبت سيطرة المعارضة السورية على الحكم وما تبعها من احتكاكات على الحدود مع حزب الله ومجموعات عشائرية موالية له.

ويقول مراقبون إن لبنان وسوريا أمام وضع جديد سيكون بمثابة اختبار لرغبتهما في بناء علاقات متينة، خاصة أن عهد حزب الله انتهى في سوريا بعد رحيل بشار الأسد، كما أن نفوذه يتفكك داخل لبنان تحت الضغوط الخارجية التي تدفع الرئيس جوزيف عون وحكومة سلام والجيش إلى جعْل السيطرة على سلاح حزب الله أولوية مطلقة.

وما تبقّى هو معرفة مدى استعداد النظامين في بيروت ودمشق لتأسيس مرحلة جديدة من التعاون. وتحتاج السلطة في بيروت الآن إلى معرفة حدودها في التعامل مع السلطة الجديدة في دمشق. والأمر نفسه بالنسبة إلى حكومة الشرع، التي ستكون أمام اختبار لمدى استعدادها لتجاوز الحقد على لبنان الذي ترك لحزب الله مهمة التدخل باسمه لإنقاذ حكم الأسد وخاض حربا قاسية ضد السوريين دون مراعاة عناصر الجيرة والتاريخ المشترك.

وقال الكاتب اللبناني خيرالله خيرالله إن “أمام نواف سلام مهمة صعبة، أقله لسببين. السبب الأول أن توجهات النظام الجديد في سوريا لم تتبلور بعد. والسبب الثاني أن الشعب السوري ما زال يعاني من انضمام حزب الله إلى الحرب التي شنها عليه بشار الأسد بدعم إيراني وروسي في الوقت ذاته.”

وأضاف خيرالله خيرالله في تصريح لـ”العرب”: “تبدو الحاجة إلى فتح صفحة جديدة بين البلدين. من بين ما يفترض توافره لفتح مثل هذه الصفحة سيطرة السلطة في لبنان على النقاط الحدودية غير الشرعية على طول الحدود مع سوريا، في ضوء رغبة إيران بقاء هذه النقاط تحت سيطرة حزب الله الذي يستخدمها لتهريب الأسلحة والأموال والمخدرات في الاتجاهين.”

وتضم الحدود بين لبنان وسوريا، الممتدّة على 330 كيلومترا، معابر غير شرعية، غالبا ما تستخدم لتهريب الأفراد والسلع والسلاح. وشهدت المنطقة الحدودية الشهر الماضي توترا أوقع قتلى من الجانبين.

وهذه الزيارة هي الأولى التي يقوم بها مسؤول رفيع المستوى في الحكومة اللبنانية الجديدة إلى دمشق، وتأتي بعد مرور خمسة أشهر على الإطاحة بنظام الأسد في الثامن من ديسمبر الماضي.

وفي مارس الماضي جرت اشتباكات عنيفة على الحدود بين البلدين نتيجة ما اعتبره السوريون محاولة من حزب الله لتشتيت جهود الحكومة السورية الجديدة ومنعها من فرض الاستقرار واتهام الحزب بأنه يقف وراء محاولة التمرد التي قادتها فلول الأسد في منطقة الساحل، والتي ردت عليها السلطات بعنف.

ويشير المراقبون إلى أن القيادة السياسية في لبنان سيطر على موقفها التردد في الانفتاح على دمشق خلال الأشهر الماضية، لكن الظروف تغيرت لصالح حكومة الشرع، ما سرّع زيارة نواف سلام. ويلفتون خاصة إلى الانفتاح الخليجي على سوريا وإشارات الدعم القوية التي تلقاها الشرع في زياراته إلى الرياض والدوحة وخاصة أبوظبي.

ويُنتظر أن تحصل سوريا على دعم خليجي فعال لمساعدتها على تأمين الاستقرار وتحسين الوضع المعيشي للسوريين باعتبارها ركنا أساسيا في استقرار المنطقة.

وفي هذا السياق تعتزم السعودية سداد 15 مليون دولار ديونا على سوريا للبنك الدولي، ما يمهد الطريق للموافقة على مِنَح بملايين الدولارات لإعادة الإعمار ودعم القطاع العام المتعثر في البلاد.

ويجد لبنان أنه من غير الممكن الاستمرار في معاداة سوريا في ضوء الاهتمام الخليجي بها، وأن أي موقف غير ذلك سيعتبر استمرارا لموقف حزب الله وخدمة لأجندة إيران.

وقال سلام “زيارتي إلى سوريا اليوم من شأنها فتح صفحة جديدة في مسار العلاقات بين البلدين على قاعدة الاحترام المتبادل واستعادة الثقة.”

وأضاف “بحثت مع الشرع ضبط الحدود والمعابر ومنع التهريب وصولا إلى ترسيم الحدود برا وبحرا.”

وكان سلام ذكر الأحد أن من بين أهداف زيارته الحصول على معلومات نهائية بشأن مصير المفقودين اللبنانيين في سجون نظام الأسد. وقال “سأنقل هذا الموضوع خلال زيارتي إلى سوريا، على أمل أن أستطيع العودة بأخبار جيدة.”

ويرافق سلام في زيارته وزراء الخارجية يوسف رجي والدفاع ميشال منسى والداخلية أحمد الحجار.

وكان مقررا أن يزور منسى دمشق الشهر الماضي للقاء نظيره مرهف أبوقصرة، قبل أن يتم إرجاء الزيارة بطلب سوري. إلا أن السعودية عادت وجمعت الرجلين بحضور نظيرهما السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز في جدة، حيث تم التوصل إلى اتفاق يؤكد على أهمية ترسيم الحدود اللبنانية – السورية والتنسيق لمواجهة التحديات الأمنية والعسكرية.

وزار رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي دمشق في يناير، بعد الإطاحة بالأسد، وقد التقى الشرع.

وأشار مصدر حكومي في بيروت إلى أن الوفد اللبناني سيبحث في سوريا ملف إعادة اللاجئين السوريين، علما بأن لبنان يستضيف، وفق تقديرات رسمية، 1.5 مليون لاجئ سوري، من بينهم 755426 لاجئا مسجلا لدى الأمم المتحدة، ممن فروا خلال سنوات النزاع.

ودخل الجيش السوري لبنان في عام 1976 كجزء آنذاك من قوات عربية للمساعدة على وقف الحرب الأهلية، لكنه تحوّل إلى طرف فاعل في المعارك، قبل أن تصبح دمشق “قوة الوصاية” على الحياة السياسية اللبنانية تتحكّم في كل مفاصلها، حتى عام 2005، تاريخ خروج قواتها من لبنان تحت ضغط شعبي بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري.

وتعهد الشرع في ديسمبر بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذا “سلبيا” في لبنان وستحترم سيادته.