الجمعة - 01 نوفمبر 2024 - الساعة 09:07 ص بتوقيت اليمن ،،،
عدن حرة / خاص :
للقمندان – رحمه الله - قصائد كثيرة فيها من الروعة والجمال ما يجعلك تقف أمامها مبهورًا بما تحمله من سياقات بديعة وصور فنية، وأحداث تاريخية، و قصائد القمندان - رحمه الله - رائعة في ألفاظها وصورها بحيث لو جمعنا روائع الشعر اللحجي لما استطعنا أن نختار منها لكثرة روائعه من القصائد؛ ومن تلك القصائد على سبيل التمثيل لا على سبيل الحصر (إذا رأيت على شمسان في عدن)، تُمثِّل هذه القصيدة بديعة من بديعيات الشعر اللحجي القمنداني، وستظل رائعة من روائع شعر السلطنة العبدلية وواقعة موقع القلادة من العنق في شعر لحج وعدن، وهي همزة وصل في الربط بين أبناء السلطنة العبدلية في شخص شاعرها الكبير القمندان – رحمه الله - الذي لم تلد لحج بعدُ شخصية في مثل شخصيته فهو إنسان متواضع ومثقف قارئ، وهو مؤرِّخ لتاريخ لحج وعدن، وأديب وشاعر وأمير ينسی سلطانه حين يعاشر أبناء مجتمعه.
فقصيدة (إذا رأيت على شمسان من عدن) تعد أنموذجًا شاهدًا على شغف القمندان – رحمه الله - بحب عدن وحب أهلها، فقد تغنى بوصف أهالي عدن فهو كرام، وتُمثل قصيدة (إذا رأيت على شمسان من عدن) توثيقًا للمواضع العدنية واللحجية فهو يذكر حقات، والقطيع وحافة الحسين، وتبن ولا ينسی صنعاء وجبن، وفي مطلعها يتحفك بذكر عدن رابطًا بينها وبين تبن فيقول:
إذا رأيتَ على شمسانَ في عدنِ
تاجًا من المُزْنِ يروي المحل في تُبَن
المزن في عدن يسقي الجذب في تبن.
و تتوسط القصيدة ذكر مآثر العرب المسلمين وما كانوا عليه من المجد والسؤدد (سنوردها في منشور آخر) وفيه أبيات تحكي عن صلات اجتماعية أحياها القمندان – رحمه الله - مع أهل عدن، وتكشف عن شعف القمندان – رحمه الله - بأهل عدن وما كان يحمله في فؤاده من حب مشفوع بالإجلال و التوقير، فهم أحباؤه و أصحابه، وذكرهم عنده لا يفارقه في كل أحواله فيقول:
أحبّتى وأصَيْحابي فذكرهُمُ
في يقظتي لا يفارقنى ولا وسني
ويختم القمندان – رحمه الله - عاشق عدن قصيدته بالدعاء لأن تُسقى عدن وضواحيها بالسحائب وبالعسل بل حتى باللبن، ما أروع القمندان – رحمه الله - وما أروع وفاءه لعدن و أهل عدن، فتأمل هذا الدعاء في قوله:
سقاكِ يا عدنٌ من السحائب بلْ
غيثٌ من الشهد أو درٌّ من اللبن
وعوده إلی القمندان – رحمه الله - وإلی أبياته عن عدن لا سيما دعاءه لها بالسقي فيخاطب بضمير المخاطب الكاف قائلًا: (سقاك) أي الله -عز وجل -الذي يكشف لنا عن مشاعر جمة في فؤاد القمندان – رحمه الله - وتعطي صورة عن عطفه على عدن وأهلها، فهو يطلب من ربه سحائب تنزل على عدن ثم يضرب عن السحائب فيرغب عن سقي الماء إلى أن تُسقى عسلًا ولم يقتنع بالعسل بل أراده غيثًا، تأمل كيف زاوج القمندان – رحمه الله - بين العسل وبين ما له علاقة بالمطر المتمثلة في كلمة غيث أو درٌّ من اللبن، ثم يُشبِّه عدن بأنّها منهل عذب لمن يقصدها، وهي وطن لمن يأوي إلی أكنافها ، فيقول في بيان ذلك:
حَيّاكِ يا عدنٌ من منهل عَذِب
للقاصدين حماك الله من وطن
فهو يُحييها ويدعو لها بأن يحميها الله- عز وجل -
وفي البيت السابق إشارة تاريخية إلى أنّ عدن كانت منهل وليس أي منهل، بل منهل عذب، يستعذبه القاصدون والوافدون إليها، ولا يقف وصف القمندان - رحمه الله - لعدن أنّها منهل عذب، بل هي دار يسكنها كرام الناس و أفاضلهم، ثم يدعو لها بأن تطيب، وأنّ الورقاء قد غنّت لها فيقول:
يا دارُ آهلةُ فيك الكرامُ لقد
طِبْتِ وغنَّتْ لك الورقاءُ من فَنَن
ولم يخفِ القمندان - رحمه الله - مشاعره الصادقة الملتهبة حبًا لأهل عدن فيذكر أنّ الهوى إذا سرى من حقات هيّج شجونه و أحاسيسه، فتأمل كيف شرع في بيان مشاعره ومن أين بدأت من حقات، موقع قصر السلطنة العبدلية الذي لا زال قائمًاويحكي تاريخ ما أودعه القمندان- رحمه الله - في أبيات هذه القصيدة، فيقول:
إذا سرى من هوى حُقّاتِ في عَدَنِ
أحيا عليلُ الهوا شجوي وذكّرني
أهلَ القطيع وأهلَ الزعفرانِ وفي
حَافَةْ حُسينِ مِن اهْل الفضل والفِطَن
و تأمل كيف استطرد القمندان - رحمه الله - في بيان ما فعل فيه الهوى فذكّره أناسًا طيبين كرام، فراح يعدد مواضعهم بسياقات رائعة جمعت بين ما أراد إيصالها القمندان – رحمه الله - من مشاعر في ذكر أهل عدن على اختلاف مواضع سكنهم وبين تناسق رصف الألفاظ في تراكيب متناسقة فذكر القطيع والزعفران والخساف، و أنّهم أهل فضل وفطنِ، ولم ينس القمندان - رحمه الله - أن يشير إلى أهل عدن وما أولاهم الله عز و جل من صفات كريمة وخصال حميدة، ونكتفي بإيراد هذه الأبيات من غير تعليق، فما فيها يُفصح عن تعظيمه لأهل عدن، فيقول:
أبعثْ مزاحمَ حي العَيْدَروس وصا
فحْ في الخسافِ وعانقْ ثَمَّ واحتضن
بيضاً غطارفةً سُمْراً جَحاجِحَةً
شنِّفْ بذكرهمُ أذنى وحدثني
ثم يختم ذكرهم برغبته الأكيدة في أن يُشنف أذنه بذكرهم ويكثر من تحديثه عنهم.
والقصيدة تحتاج إلى وقفات كثيرة لاستجلاء ما بها من معاني ودلا لات لا سيما في تنويه بما كان عليه وللكشف عن معاني ألفاظها، وما تحمله من دلالات
تم المراد بفضل رب العباد
كتبه أ. د. عبدالله عبدالله عمر
جامعة لحج.