عرب وعالم

الإثنين - 27 مارس 2023 - الساعة 07:07 ص بتوقيت اليمن ،،،

هشام النجار


مرت واقعة قتل حركة طالبان في فبراير الماضي لقائد كبير بداعش خراسان، وهو قاري فاتح مسؤول الاستخبارات والعمليات بالتنظيم، دون التنبه إلى أنه جاء عقب مناوشات كلامية غير مسبوقة دارت بين زعيم شبكة حقاني وقادة طالبان الموالين لزعيمها هبة الله أخوندزادة.

ونفذ داعش خراسان عملية انتقامية استهدفت حاكم ولاية بلخ في مزار الشريف عاصمة الإقليم في شمال البلاد واثنين من مرافقيه، أعقبها تفجير آخر أودى بحياة خمسة صحافيين أفغان وثلاثة أطفال.

وخرجت الاغتيالات والهجمات المتبادلة بين حركة طالبان وداعش خراسان عن إطارها التقليدي المتعلق برغبة كل طرف في إضعاف الآخر إلى صراع خفي بين أجنحة طالبان بعد خروج خلافاتها إلى العلن.

ويُعد استهداف قيادي كبير بداعش خراسان في حد ذاته نادر الحدوث على الرغم من تهديد التنظيم لسلطة طالبان، لكن بدا أن ما قبل طفو الصراعات بين الأجنحة على السطح ليس كما بعده، ما يعزز التكهنات السابقة بوجود علاقات وتفاعل وثيق بين شبكة حقاني وداعش خراسان.

تهديدات متبادلة

بعد أن تطور نشاط داعش خراسان الإرهابي كمًا ونوعًا في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة في أغسطس 2021 مستفيدًا من الحماية السياسية والأمنية التي منحتها له شبكة حقاني المهيمنة على أهم مؤسسات الدولة، بدا أن تصاعد الخلافات بين الأجنحة يحرمه من مزاياه، خاصة أن هذا النشاط كان يصب في صالح جناح على حساب آخر داخل الحركة.

وظفت شبكة حقاني خدمات داعش خراسان مقابل الدعم اللوجستي والعملياتي ليس فقط بهدف الضغط على القوى الخارجية وابتزازها، إنما أيضًا لإضعاف منافسيها داخل أجنحة طالبان الأخرى.

لذلك تأتي العلاقات التي أثبتتها تقارير خبراء أمميين بين شبكة حقاني وداعش خراسان على رأس أولويات جناح أخوندزادة لتوجيه مخططات شبكة حقاني في الاتجاه المضاد، بحيث يصبح إضعاف داعش خراسان وحرمانه من كبار قادته وسيلة للحد من نفوذ شبكة حقاني وجهاز استخباراتها القوي وليس العكس.

وباتت هناك قناعة لدى الجناح الذي يقوده أخوندزادة بأن طالبان لن تحقق أي انتصار مهم على داعش خراسان إلا عبر الخصم من صلاحيات شبكة حقاني الواسعة في الملف الأمني والاستخباري.

وتعود الرغبة التي ظهرت إلى العلن أخيرًا في تحجيم نفوذ القائد الذي يدير الجناح الأقوى والأعنف داخل حركة طالبان وهو سراج الدين حقاني إلى القلق من فرضية هيمنته الكاملة على الحركة وعلى السلطة بأكملها عبر براغماتيته الزائدة ولعبه على كل الحبال من خلال تحالفات متناقضة.

والتفسير الذي يعزو الخلاف المتصاعد بين أجنحة حركة طالبان إلى علاقات شبكة حقاني بداعش خراسان التي منحت الأخير القدرة على استهداف مصالح قوى مهمة مثل روسيا وباكستان والصين وهو ما تسبب في توتير علاقاتها مع طالبان، ينقصه الإلمام بأسلوب شبكة حقاني في توظيف هذا التكتيك لصالحها.

ولا تكتفي شبكة حقاني من خلال جهازها الاستخباراتي النافذ وأجهزتها الأمنية القوية بالسماح لداعش خراسان بالتوسع العملياتي داخل أفغانستان وخارجها لإحراج الحركة الأم وجناح أخوندزادة مع الجيران، إنما تطرح نفسها كطرف قادر على كبح العنف والإرهاب العابر للدول.

الضوء الأخضر للإرهاب

بعث قادة شبكة حقاني برسائل في مناسبات مختلفة لقوى إقليمية كبيرة والمجتمع الدولي مفادها أنها من تطلق الضوء الأخضر للعمليات الإرهابية بهدف الضغط على مختلف القوى للاستجابة لمطالبها، وفي المقابل من تقدر على إيقافها لكسب ثقة هذه القوى وإقامة علاقات تعاون مباشرة معها.

وعلى الرغم من أن الشائع إعلاميًا هو أن شبكة حقاني هي من تتسبب في عدم نيل حكومة طالبان الاعتراف الدولي بشرعيتها على خلفية علاقاتها الوطيدة بتنظيم القاعدة ورفضها فك الارتباط به، إلا أنها في واقع الأمر وظفت هذه الورقة لكسب ثقة القوى الغربية بقدراتها وللتقارب مع الولايات المتحدة على حساب أجنحة طالبان الأخرى.

وامتنعت شبكة حقاني عن الانتقام أو التلويح به بعد الضربة الصاروخية التي قتلت أيمن الظواهري الذي كانت تؤويه في منزل تابع لأحد قادتها بقلب كابول في يوليو الماضي، وبدلًا من ذلك عمدت إلى التظاهر بأن الاغتيال لم يحدث، مضفِية الغموض على مصير زعيم القاعدة.

ولا يعكس هذا التصرف عدم التزام بالروابط مع القاعدة أو بأيديولوجية الجهاد المعولم بقدر ما يعكس براغماتية شبكة حقاني التي تحرص على أن تكون الطرف القوي الموثوق به لدى الغرب وبالداخل الأفغاني.

ولإثبات حرصه على إظهار صورة مختلفة للمجتمع الدولي كتب سراج الدين حقاني مقالًا في صحيفة “نيويورك تايمز” في فبراير 2020 مبديًا رغبته في إقامة علاقات جيدة مع مختلف البلدان وأن تدعم الولايات المتحدة إعادة الإعمار والتنمية الأفغانية بمجرد انسحابها.

وتماشت أفعال حقاني في العامين الماضيين مع أقواله خاصة في ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة والهند، حيث أطلق أتباعه سراح المهندس الأميركي مارك فريركس المُختطف منذ يناير 2020 مقابل الإفراج عن تاجر مخدرات ممول لطالبان.

وقادت براغماتية شبكة حقاني إلى سماح وزارة الخزانة الأميركية بتحويل ما يزيد عن ثلاثة مليارات دولار من الاحتياطات المجمدة للحكومة الأفغانية السابقة البالغة 9 مليارات دولار لصندوق إئتماني مقره سويسرا لتلبية الاحتياجات الإنسانية ما قلل من الضغط الهائل على الحركة عمومًا.

وتُوضع علامات استفهام أمام عدم الإقدام على استهداف حقاني رغم أنه مطلوب دوليًا وظهوره إلى العلن وتحركه بحرية داخل العاصمة كابول وخارجها.

تكتيكات إقليمية

استخدمت شبكة حقاني التكتيك نفسه في علاقاتها مع كل من الهند وباكستان حيث لعبت بالشيء ونقيضه وأقامت تحالفات مع لاعبين غالبًا ما يكونون أعداء لبعضهم البعض.

وعلى الرغم من علاقاتها القوية والممتدة مع الاستخبارات الباكستانية وحكومات إسلام آباد المتعاقبة وعدت شبكة حقاني بتوفير الأمن للشركات والمصالح الهندية، وتواصل قادة من الشبكة علنًا مع نيودلهي بالتزامن مع اشتباك مجموعات من قوات طالبان مع الجيش الباكستاني على الحدود.

والمقدرة على توظيف داعش خراسان والقاعدة ومد قنوات التواصل مع الغرب ليست غريبة على حركة تتعاون مع الهند رغم نفوذ المخابرات الباكستانية عليها وتحافظ على الثقة مع القاعدة وحركة طالبان باكستان والجيش الباكستاني في الوقت ذاته.

وكما أقنعت باكستان بالتغاضي عن علاقاتها بالهند وبالقاعدة وحركة طالبان باكستان عبر التركيز على الهدف المشترك لانتصار طالبان بإظهار القدرة على عدم إثارة البشتون والبلوش ضد إسلام آباد، تحاول شبكة حقاني إقناع الولايات المتحدة بالتغاضي عن علاقاتها بالقاعدة وجماعات الجهاد العابر للحدود عبر إثبات أنها الطرف القوي القادر عمليًا على الحد من خطر داعش خراسان.

ما يقلق جناح أخوندزادة الحاكم حاليًا هو فرضية أن يحل حقاني وشبكته النافذة محله بوصفه الطرف الموثوق به والجدير بالتعاون معه من قبل المجتمع الدولي ومختلف القوى الإقليمية.

ولا يخفى أن لدى زعيم جناح حقاني ما يجعله يخطط ويسعى بدأب لاكتساب نفوذ أكبر والتمتع بصلاحيات أوسع وصولًا ربما إلى الانفراد بالسلطة، فشبكته لعبت الدور الأكبر في تنفيذ مخطط الاستيلاء على الحكم بالقوة بعد الانسحاب الأميركي عام 2021 بالتنسيق مع القاعدة.

وترى شبكة حقاني التي تسيطر على أكثر من نصف المناصب الوزارية الأفغانية بما في ذلك الإشراف على وزارات الاستخبارات والهجرة أنها الأحق بالاستئثار بالسلطة والنفوذ على حساب أجنحة طالبان الأخرى بوصفها حررت الأرض وتمتلك قدرات عسكرية وتنظيمية ومالية أكبر.

رسائل تهديد مبطنة

أثبت جناح أخوندزادة أن بحوزته أوراقًا يلعب بها من خلال جهود جهاز استخباراته الخاص به عبر إظهار قدراته على إحراج جناح حقاني بداية من التعاون المعلوماتي في عملية استهداف أيمن الظواهري وصولًا إلى العملية الأخيرة الخاصة بمقتل قيادي داعش خراسان قاري فاتح.

وترسل شبكة حقاني رسائل تهديد مبطنة بدأها أيمن الظواهري نفسه بإيعاز من حليفه سراج الدين حقاني عندما هاجم قادة طالبان عقب مطالبتهم بالانضمام إلى الأمم المتحدة، وصولًا إلى قيام زعيم الشبكة بنفسه بالمهمة عندما هاجم حقاني، وذلك في لقطة نادرة، أخوندزادة.

لكن الصراع على السلطة والاستئثار بها داخل حركة طالبان مفتوح على سيناريوهات عديدة؛ حيث من المرجح أن يتوقف الطرفان عن التصعيد لأنه لا غنى لأحدهما عن الآخر.

ويستفيد حقاني من تصدير واجهة جناح أخوندزادة لعجزه إلى وقت قريب عن التحرك والظهور بحرية بسبب إدراجه على اللائحة الدولية للإرهاب، علاوة على الرغبة في الحفاظ على التوازن القبلي في السلطة.

ورغم مناوراتها البراغماتية لا تستطيع شبكة حقاني وحدها أو بمساعدة الجماعات المسلحة العالمية توفير شراكات دولية وإقليمية مستقرة ومثمرة.

إذا تصاعد الخلاف والصراع إلى مستويات أعلى مسببًا انشقاقًا شاملًا واستقلالًا حركيًا وتنظيميًا لشبكة حقاني عن الحركة الأم فهذا ينذر بصراع قبلي موسع نظرًا إلى تمثيل كل جناح لمكون قبلي مختلف.

ويصب تشظي طالبان وخروج شبكة حقاني منها -إذا حدث- في مصلحة تنظيمات الإرهاب العابر للحدود وفي مقدمتها القاعدة وداعش خراسان، وبعد أن كانت مجرد أدوات في يد حقاني للضغط والابتزاز وكسب النفوذ، ستصبح رقمًا رئيسيًا وربما مشاركة في السلطة لترجيح كفته على حساب منافسيه داخل الحركة.