الجمعة - 13 أكتوبر 2023 - الساعة 10:13 م بتوقيت اليمن ،،،
ياسر الأعسم
كنت تلميذا في الابتدائية، عندما نظمت المدرسة معرض صورة في ذكرى مذبحة دير ياسين، والتي ارتكبتها عصابات الصهاينة.
عشرات الصور توثق بشاعة المجزرة، وجثث الأطفال، والنساء، والعجزة ، تسبح بالدماء.
زميلتي بالفصل اسمها (عودة)، ابنة شخصية دبلوماسية فلسطينية، ترافقنا، وترد ما حدث بنبرة مذبوحة.
بالجدار الأخر ، صور طوابير المهجرين خلفهم ديارهم، وقد تركهم العالم للمجهول.
توقف عند صورة لأمرأة من (حيفا)، تصرخ ملامحها بقهر، وحزن لم يمر على وجه بشر .
تلف رأسها بوشاح، وعلى كتفها شيخا طاعن بالسن، وبيدها مفاتيح دارهم التي هجروا منه قسرا، وببندقية عصابات (الإرغون)، و (شتيرن) الصهيونية.
كانت التجربة مؤلمة جدا، وكبيرة على طفولتي، وغرست جذور القضية الفلسطينية بأعماقي، وجعلتني إنسانا ثائرا.
كرهت ضعفي ، وانفجرت في رأسي ثورة أسئلة.
وسط كوخ خشبي نسكنه بلا أوراق ملكية، سألت أبي عن الهزيمة، وهو الذي أختار اسمي (ياسر)، تفاخرا برمز القضية الفلسطينية (ياسر عرفات).
أثق بنخوته الحرة، ولكن كلماته لم تشف جرحي، وشعرت أنه يكتب رسالته على صفحتي البيضاء بقلم رصاص أو ربما يقذفني البحر بدلا عن إسرا ئيل !.
بعد خمسة عقود ، كنت على موعد آخر مع أمرأة (حيفا) نفسها، وهذه المرة في مادة صحافية استقصائية، وقد حفرت جبينها مخيمات الشتات، وتعتكف سنواتها الثمانون ظهرها، وكانت مازالت تحتفظ بالمفاتيح لأحفادها، وتأمرها الأماني بالعودة.
زميلتي (عودة)، وقد أصبحت أسرة، و مازالت تعيش بعلم واسم وطن بلا أرض، وربما تحمل كرها وثيقة سفر كيانهم الغاشم !.
أوطاننا يا (عودة)، وبعد إيلاف الأمة الهزيمة، أصبح يقودها الخونة.
غزة ، ربما آخر مفايتح العودة.