منوعات

الثلاثاء - 20 يونيو 2023 - الساعة 02:14 ص بتوقيت اليمن ،،،

العرب


سقط الخطاب الإعلامي المستفز من بعض المذيعين على فضائية “أم.بي.سي مصر” في فخ قد يصعب الخروج منه، ما وضع المحطة السعودية في موقف بالغ الحرج مع الجماهير المصرية، عقب سقطة مهنية لبرنامج “اللعيب” الذي يقدمه المذيع مهيب عبدالهادي، عندما استدرج لاعب كرة للإدلاء بتصريحات أحدثت أزمة.

شارك مقدم البرنامج وضيوفه أخيرا في خداع اللاعب التونسي إلياس الجلاصي المحترف في صفوف نادي “المصري”، والذي أجرى معه مداخلة هاتفية في برنامج “اللعيب” دون أن يعلم اللاعب أن الاتصال مذاع على الهواء مباشرة، مع أن الجلاصي سأل بشكل صريح إذا كان الاتصال مذاعا على الهواء أم أنه مكالمة خاصة.

أوهم عبدالهادي اللاعب التونسي بأن المكالمة خاصة وليست على الهواء ويشارك ومن كانوا معه في الأستديو من الضيوف في خداع الضيف للإدلاء بتصريحات تسببت في حرج اللاعب أمام جمهور ناديه المصري، متحدثا عن شغفه باللعب لنادي الزمالك وأن الأخير يفاوضه للانتقال إليه الصيف المقبل.

قال اللاعب خلال المداخلة ردا على سؤال حول النادي الذي يفضله “هناك من ينضم إلى الزمالك ليشارك وهناك أسماء انضمت إلى الأهلي ولم تشارك.. ثم إنه هل هناك لاعب لا يحب اللعب للزمالك، أنا لو كنت موجودا في الزمالك لفعلت المستحيل، وبالفعل هناك مفاوضات لضمي واتصالات مكثفة لذلك”.

لم تنف إدارة “أم.بي.سي مصر” ما أثير على المواقع الإلكترونية من إحالة المذيع مهيب عبدالهادي وفريق العمل إلى التحقيق، مع وقف البرنامج إلى حين انتهاء التحقيقات معه، فيما يبدو أن الخبر تم تسريبه من جانب المحطة دون الحاجة إلى بيان رسمي من جانبها.

وأصدر النادي المصري بيانا حادا وصف الأداء المهني لبرنامج “اللعيب” بغير المهني الذي يخالف كل مواثيق الشرف الإعلامية، مطالبا إدارة المحطة والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام المصري بمراجعة الحلقة، لبيان مدى تماشيها مع القواعد المهنية التي تؤكد على احترام خصوصية الأشخاص والابتعاد عن التدليس وإثارة البلبلة.

وجاءت مبررات المذيع ضعيفة عندما كتب عبر صفحته على فيسبوك “تابعت ردود الأفعال المؤيدة والمعارضة لمداخلة لاعب النادي المصري إلياس الجلاصي مع برنامج اللعيب، وتواصلت مع إدارة النادي المصري وأكدت لهم تقديري الكامل لإدارة النادي وجماهيره، وما حدث سوء فهم غير مقصود”.

وحمل تعليق مهيب، بأن هناك أصواتا مؤيدة لما فعله مع اللاعب التونسي، إشارة غير مباشرة إلى أنه غير مقتنع بعدم مهنية ما فعله خلال البرنامج، ولا يشعر بكونه خالف الأعراف والمواثيق الإعلامية المتعارف عليها، وحاول الخروج من المأزق عبر الإيحاء بأن الواقعة كان لها مؤيدون، كما جلبت أيضا معارضين.

ويعكس عدم اكتراث مقدم برنامج “اللعيب” بخطورة ما أقدم عليه من خطيئة مهنية عمق الأزمة المرتبطة بجلوس بعض الأشخاص على كرسي المذيع وهم ليسوا مؤهلين للقيام بالمهمة، وكان مهيب مراسلا رياضيا ثم أصبح مقدما لبرنامج على محطة مهمة.

ولا تزال المذيعة ياسمين عزالدين، مقدمة برنامج “كلام الناس” على “أم.بي.سي مصر”، واحدة من أبرز الإعلاميات على الساحة التي تتمسك بأن تثير الجدل طوال الوقت، سواء أكانت القضية محل النقاش تستحق ذلك أم لا، والمهم لديها أن يحظى البرنامج بمعدلات مشاهدات مرتفعة على حساب مهنية المحتوى.

وتزعم عزالدين أنها تستهدف من برنامجها إنصاف الرجل طوال الوقت، في حالتي الصواب والخطأ، ومن المهم أن تصبح متحدثة بلسان العقلية الذكورية، فتدافع عن الرجل وتمنحه المئات من الأعذار في تعامله الخشن والغليظ والفظ مع المرأة، وصار برنامجها الوحيد تقريبا الذي يواجه بعض البرامج النسوية.

واتهم المجلس القومي للمرأة في مصر ياسمين عزالدين بأنها تتعمد تقديم محتوى مسيء، ويمثل إهانة وتحقيرا وتقليلا من شأن النساء ويضرّ بهن وبسمعتهن، ويستهدف تغييب الوعي المجتمعي ويكرس الرجعية والتخلف والعنف ضد المرأة.

ويشير صمت محطة “أم.بي.سي مصر” على حالة السخط الجماهيري إلى تبني برامجها إثارة مقصودة عبر خطاب إعلامي متهم بالاستفزاز طوال الوقت، وهو ما يثير شكوكا حول وجود توجه لدى بعض الدوائر داخل القناة للسير على نفس النهج، ما يحمل مخاطر كبيرة لمصداقيتها.

ويقول متابعون إن من غير المنطقي أن يكون هذا الاتجاه نهجا عاما للقائمين على إدارتها بدليل أنه جرى وقف برنامج “اللعيب” وإحالة المذيع إلى التحقيق، طالما أخطأ مهنيا.

ويعتقد هؤلاء المتابعون أن الانطلاقة القوية التي عرفت عن “أم.بي.سي مصر” حملت إشادة واسعة من الجماهير المصرية لوجود محطة مهنية تنتقي برامجها وموضوعاتها بعيدا عن الابتذال والإثارة وانتقاء القضايا الشاذة، لكن انحراف الكثير من القنوات المصرية أصاب “أم.بي.سي مصر” بالمرض وجعلها تعتمد على جماهيرية ترتبط بالاستفزاز.

وبات كل من “اللعيب” و”كلام الناس” من البرامج المعبرة بشكل واقعي عن إعلام هذه المرحلة في مصر، وأبرز سلبياته محاولة بعض المذيعين توظيف ظهورهم على الشاشة للتقرب إلى الناس بالعزف على وتر الجدل والقضايا الشاذة والسير عكس اتجاه الموضوعية والمهنية، لتحقيق الشهرة والقفز إلى مرتبة متقدمة في “الترند”.

قال الخبير الإعلامي جلال نصار إن الرسالة الإعلامية المستفزة لأي برنامج تجلب معدلات مشاهدة، لكنها تخسر احترام الجمهور للقناة والمذيع أيضا، ويصعب لنسب المشاهدة المرتفعة والمزيفة أن تجلب حصانة جماهيرية لأي برنامج يهدم أصول وقواعد المهنية، فقد يشاهد غالبية الناس مداخلة ضيف مخدوع ويرفضون السلوك.

وأضاف لـ”العرب” أن غضب المصريين من “أم.بي.سي مصر” لا يعني أنهم راضون عن المحتوى الإعلامي الذي تقدمه القنوات المحلية، لكن الواضح أن الغالبية فقدت الأمل في تغيير الواقع إلى الأفضل، طالما أن هناك منابر كبيرة تسقط في فخ تراجع المصداقية، ولم يعد هناك مجال لنقد قناة بعينها، فالأمر بحاجة إلى تغيير في المشهد الإعلامي برمته.

ولا تزال أزمة المنابر الإعلامية المستفزة في مصر تبدو مقتنعة بأن زيادة معدلات المشاهدة تعكس قبول الجمهور للرسالة المقدمة، مع أن مشاهدة المحتوى بكثافة قد تكون بدافع التعرف على مستجدات الاستفزاز بغرض التسلية والمتعة وليس أكثر، ما يعني أن هذا النوع من الإعلام، وإن كان يجلب جمهورا فقد يهدم منظومة كاملة.