السبت - 05 مارس 2022 - الساعة 12:57 ص
انعكست آثار التوتر الغربي – الروسي أسرع مما كان متوقعا على ملف الأزمة اليمنية، بعد تمرير قرار أممي جديد يصف الحوثيين بالجماعة الإرهابية في سابقة غير معهودة في صياغة قرارات المنظمة الدولية، كما شدد القرار من حظر وصول الأسلحة للحوثيين، وهو باعتقادي أمر يحتاج إلى آلية خاصة لضبط عمليات تهريب السلاح القادمة من إيران والتي لم تتوقف يوما.
وفي قراءة عابرة لتداعيات الصراع المحتدم وعودة حالة الاستقطابات الدولية، يبدو أن الملف اليمني سيكون حاضرا بقوة من خلال تحولات فارقة في مواقف الدول الفاعلة في هذا الملف مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين، وهذا التحول مرتبط بأمرين أساسيين ليس من بينهما وجود صحوة دولية حيال الحرب اليمنية ولا فاعلية دبلوماسية الحكومة الشرعية بطبيعة الحال.
الأمر الأول الذي يرجح هذه التحولات هو أهمية دول التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن وتحديدا السعودية والإمارات في رسم ملامح الصراع القادم، بالنظر لمكانتهما الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وثقلهما كموردين رئيسيين للنفط الذي بلغ مستوى غير مسبوق بعد أن تجاوز سعر خام برنت حاجز 119 دولارا للبرميل، في ظل مؤشرات على أن أسعار النفط في طريقها للارتفاع على وقع التوتر المتصاعد بين روسيا والغرب واستخدام العقوبات الاقتصادية كورقة ضغط على موسكو.
ولا ينفصل عن السبب سالف الذكر الذي يرجع تحول المواقف الدولية التي اتسمت بالمخاتلة طوال السنوات الماضية واستخدام حرب اليمن كوسيلة ابتزاز ضد حلفاء مفترضين، إلى شعور واشنطن بحرج حقيقي إزاء ما يوصف بتعاملها الانتهازي مع حلفائها في العالم وخذلانها خلال فترة وجيزة لقسم منهم كما حدث في أفغانستان وأوكرانيا، وتأرجح تصريحاتها بخصوص ملف الأزمة اليمنية ومواقفها من السعودية والإمارات، وهو ما عبرت عنه الرسالة الإماراتية في مجلس الأمن الدولي بالامتناع عن إدانة روسيا، الأمر الذي اعتبر رسالة احتجاج ضد انتهازية السياسة الأميركية والأوروبية في المنطقة عموما والتي لم تتغير حتى في ظل التصعيد الحوثي باستهداف مواقع مدنية واقتصادية في السعودية والإمارات.
المؤشر الآخر على تحول المواقف الدولية، اقتصادي وأمني بامتياز، حيث سيصبح المجتمع الدولي أكثر تشددا إزاء أي عمليات حوثية محتملة تستهدف مصادر إنتاج الطاقة وهو الأمر الذي دأب عليه الحوثيون في الآونة الأخيرة من خلال إطلاق عمليات بالطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية ضد منشآت إنتاج النفط في السعودية والإمارات، وهو ما قوبل بحالة لامبالاة من قبل واشنطن والعواصم الغربية التي ظلت تصريحاتها المطاطية تراوح مكانها بعيدا عن المنطق السياسي وأدنى شروط التعامل مع الحلفاء.
وعلى ذات المنوال ستكون مواقف الدول الغربية في قادم الأيام أقل تسامحا مع أي تهديدات محتملة للمضائق البحرية وممرات التجارة العالمية، حيث لا تحتمل مصالح العالم المزيد من أعمال القرصنة الحوثية التي يمكن أن تدفع بأسعار النفط قدما وتعمق أزمة الاقتصاد العالمي الذي يبدو أنه سيدفع ثمن حالة الفوضى التي تجتاح العالم على وقع الحرب الأوكرانية التي أعادت الحديث عن “الحرب العالمية الثالثة” وقوة “الردع النووي”، وغيرها من المصطلحات السياسية المندثرة إلى واجهات وعناوين الصحف العالمية.
وإذا ما عدنا لمواقف روسيا والصين، اللتين تشكلان نواة القطب الآخر في معادلة التوازن الدولية، نجد أن روسيا على وجه التحديد التي كانت تعيق بعض القرارات الأكثر صرامة ضد الحوثيين في مجلس الأمن، باتت أكثر حرصا على التعاطي مع الملف اليمني من منظور يخدم صراعها الحالي مع الغرب، بعد أن كان هذا الملف جزءا من هامش رفاهيتها الدبلوماسية أو رغبتها أحيانا في التنغيص على خصومها وإرسال رسائل بأنه مازالت هناك أصوات مغايرة تحت قبة المنظمة الدولية بخلاف تلك الدائرة في قطب العم سام.
وإذا ما أخذنا في الحسبان عوامل الصراع السياسية والاقتصادية بين روسيا والغرب خلال الفترة المقبلة والدور المحوري الذي ستلعبه دول التحالف العربي أو ما يطلب منها أن تلعبه وخصوصا دعم استقرار أسعار النفط، عوضا عن الحاجة إلى مواقف دول “المشروع العربي” في المحافل الدولية، من المؤكد أن الرياض وأبوظبي لن تقدما مواقف مجانية، إلا بقدر ما تحصلان عليه من دعم في مواجهة المشروع الإيراني وأذرعه في المنطقة التي ستخسر كثيرا من مساحة المناورة التي كانت تتحرك فيها، والتي كان العامل الحاسم فيها تراخي وانتهازية المواقف الغربية أو سوء نواياها.