الجمعة - 07 يناير 2022 - الساعة 02:35 ص
ملف الحرب في اليمن يمكن القول إنه واحد من أكثر ملفات الصراع تعقيدا في العالم، نظرا لتشعباته الداخلية ما بين السياسي والجهوي والعقائدي وكذلك امتداداته وخلفياته التاريخية والثقافية التي أجزم بأنه لا يمكن تفسير كثير مما يحدث اليوم من تداعيات هذا الملف دون إلقاء نظرة فاحصة على تاريخ وخلفيات الحرب اليمنية التي لم تتوقف أصلا إلا لفترات متقطعة كانت الاستثناء، بينما ظل الصراع بأشكاله المتعددة هو الأصل والثابت.
وبينما يرى البعض أن الحرب التي يشهدها اليمن اليوم قد بدأت في طورها الحالي في العام 2015 إلا أن من يقرأ تاريخ اليمن جيدا يدرك بأن هذه الحرب ما هي إلا فصل من فصول صراع طويل يمتد ربما لأكثر من ألف عام، وإن اختلفت مظاهر هذا الصراع وصوره وأشكاله وأطرافه.
والحقائق التاريخية تقول، بما لا يدع مجالا للشك والتأويل، إن هذه الحرب في جزء كبير منها استمرار لصراع عقائدي تاريخي بين إرث الإمام الهادي، الذي أسس أول دولة هادوية زيدية في شمال اليمن بين القرنين الثامن والتاسع الهجريين على ركام الصراع المزمن بين القبائل اليمنية، وبين هوية يمنية يشعر منتسبوها بأنهم ضحية سلوك عنصري عرقي يحاول استغلالهم من خلال نصوص تراثية تم توظيفها ولي عنقها لصنع حالة تمايز طبقي.
وبقدر ما اختلفت أنماط الصراع التاريخي اليمني وتعددت حروبه واصطفافاته الداخلية وَالخارجية منذ ذلك الحين، إلا أنه بات سمة من سمات المشهد اليمني والذي كانت آخر فصوله القريبة، قبل ظهور النمط الحوثي؛ ثورة سبتمبر 1962 التي أطاحت بآخر ممالك النظام الإمامي الهادوي في اليمن، لكنها لم تطح بجذوره التاريخية التي ظلت مشتعلة في جبال صعدة لألف عام تقريبا تخبو قليلا وتنحسر في لحظات الضعف ولكنها سرعان ما تعاود الانتشار والتهام خارطة اليمن شمالا قبل أن تعود إلى الانحسار مجددا كنار تحت رماد الحرب اليمنية المزمنة.
وكقارئ لتاريخ اليمن القديم والحديث والمعاصر لا يخالجني شك بأن الحوثيين سينتهي بهم المطاف في جبال صعدة، كما حدث من قبل عشرات المرات ولكن بتكلفة بشرية هائلة وبركام من الأحقاد التي ستحضر حتما لجولة قادمة من الصراع الذي سيقوده أسلاف الحوثيين ولكن تحت مسمى جديد كما حدث في التاريخ اليمني لمرات ومرات عديدة.
وما يجعلني متيقنا بحتمية هذا المسار ليس الثقة في قدرة الأطراف التي تخوض الحرب اليوم في مواجهة المشروع الإمامي بحلته الحوثية، ولكن مرد الثقة بهذا المآل الحتمي هو الإيمان العميق بحركة المجتمع وقدرته على إحداث تغيير داخلي عميق في نهاية المطاف، كنتاج طبيعي لمدخلات سياسية واجتماعية متضافرة، يسرعها ويبث فيها الروح عدم رغبة الحوثيين في كسر دائرة الصراع التقليدي القائم على تقديم أنفسهم كسلالة تمتلك حقا إلهيا في السلطة والثروة دون باقي اليمنيين، متجاهلين بذلك عوامل عديدة من أبرزها أنهم يخوضون صراعهم الهاشمي العدناني المزعوم في موئل القبائل اليمانية القحطانية، هذا من الناحية الاجتماعية، إضافة إلى وجود عامل آخر يردفون به صراعهم الطبقي السلالي والعرقي ويغذونه كوحش سيلتهمهم في نهاية المطاف وهو تكريسهم لطبقية اجتماعية من نوع آخر قائمة على مبدأ إفقار اليمنيين وتجويعهم، مقابل خلق طبقة سلالية ارستقراطية اقتصادية وعرقية وهي أمور بات اليمني البسيط يلمسها ويئن منها بعد سبع سنوات فقط من سيطرة الحوثيين والذين مازالوا في حالة حرب، ويتساءل اليمنيون اليوم همسا في مجالسهم؛ ماذا سيفعل الحوثيون أكثر من ذلك إذا ما استتب لهم الأمر وانتهت الحرب كما يشاؤون!
ومن هذا المنطق تترسخ قناعة ثابتة لدى الكثير من اليمنيين بأن الحرب التي نشاهدها اليوم أو السلام الذي يتم الحديث عنه، لن يكون مجديا ما لم ينطلق من قراءة متعمقة لخلفيات الصراع اليمني الذي يزداد تعقيدا بشكل غير مسبوق، من حيث تعدد أطرافه الداخلية والخارجية، وتنوع مصادر تمويل هذه الحرب والمستفيدين منها، الأمر الذي يجعلها حربا غير تقليدية ضمن صراع كلاسيكي مزمن.