الخميس - 11 يناير 2024 - الساعة 01:20 ص
كل وسائل النقل فيها جانبها الخطر؛ بدءا من المشي على القدمين، ومرورا بقيادة السيارة، ووُصولا إلى ركوب الطائرة لرحلة داخلية أو خارجية. وأنت تجلس في بيتك، تفكر في التأمين الصحي. إذا قررت شراء وقيادة سيارة أو اعتزمت السفر، فإنك تتأكد من أن لديك تأمينا ضد الحوادث.
التنقل سيْرًا على القدمين يعرضك إلى الإجهاد أو الاعتداء. القوافل التي كانت أساس التنقل لمئات القرون، كانت تعتمد على الحيوانات. من الوارد أن تسقط من على ظهر الحصان أو الجمل، أو يهاجمك قطاع الطرق أو تعترض طريقك عاصفة أو سيل.
الصناعة وفرت لنا القطار. يبدو إلى حد الآن من أكثر وسائل النقل أمانا. لكن حوادث السكك الحديد، خصوصا في العالم الثالث، كثيرة. إلا أنها ليست بكثرة حوادث السيارات. من النادر أن تجد فردا لم يكن عرضة لحادث سيارة، بسيطا كان أم كارثيّا.
الطيران، رغم أنه مخيف للكثيرين، لا يزال الأقل عرضة للحوادث بالمقارنة مع وسائل النقل الأخرى. لا تزال الطائرات الصغيرة التي تحمل أعدادا محدودة من الركاب، تتعرض لحوادث أكثر. لكن التقنيات الحديثة في التصميم والصيانة وإجراءات الأمان التي تفرضها اللوائح الدولية، جعلت السفر بالطائرة هو الأكثر أمنا.
عندما تمشي على قدميك وتلحظ مصدر الخطر، فإنك تتوقف أو تحيد عنه. أول رد فعل بعد تعرض السيارة إلى حادث وتوقفها، هو النزول منها والابتعاد عن الخطر، أو التدخل لمحاولة إنقاذ من معك. وسائل النقل الجماعية مثل الحافلات والقطارات تبقى على الأرض، فيبادر الركاب إلى إخلاء الحافلة أو العربات فور توقفها بعد الحادث.
حتى المسافرون بحرًا تجد أن لديهم الاستعداد للنزول في قوارب النجاة، بل يرمي البعض نفسه في الماء معتقدا أن السباحة أكثر أمانا من الانتظار على سطح سفينة أو عبّارة تغرق. في كل هذه الحالات، يبقى لديك الإحساس بأن بوسعك عمل شيء للنجاة أو تقليل الأذى. ثمة اعتقاد، أو وهم، بأن لديك بعض السيطرة على قدرك.
الانتقال بالطائرة شيء مختلف. هناك استسلام كامل للقدر. هذا الاستسلام يسبق صعود الطائرة. من السهل ملاحظة الفرق بين فوضى حركة المسافرين في محطة قطار وتنظيم الحركة في مطار. وأنت في الطائرة، تلتزم بالتعليمات ونادرا ما تتحرك إلا إذا دعتك الحاجة للذهاب إلى دورة المياه.
والراكب يسمع التعليمات من المضيفة ويطبقها أكثر مما يطيع مريضٌ الطبيبَ وينصاع لما يقوله له من إرشادات. في أغلب الأحيان لا ترى من يقود الطائرة، لكنك تسمع ما يقوله عند الإقلاع أو قبل الهبوط. عند الوصول تخرج من الطائرة بكل تنظيم وهدوء، مثلما دخلت بتنظيم وهدوء ومثلما جلست طوال رحلة الساعات القصيرة أو الطويلة.
أعتقد أن كلّا منا لديه شخصية معدة للسفر، تستسلم وتطيع وتلتزم. هذه شخصية لا تؤمن بالقدر بما تراه ويحيط بها فقط، بل تطمئن أو تُطمئن نفسها بأن المهندس على الأرض قام بواجبه ودقق المحرك وبنية الطائرة، وأن شركة الطيران حريصة على الأمان وتقتني أفضل الطائرات وتجدد أسطولها، وأن المراقبة الأرضية تنظم حركة الإقلاع والهبوط منعا للحوادث على المدرج، وأن المراقبة الجوية توجه حركة آلاف الطائرات في الارتفاعات المختلفة في مسارات غير مرئية لكنها محكمة ودقيقة.
إنه استسلام نفسي للقدر إلى حين يطالعك خبر أن سدادة بوابة الطوارئ خُلعت من طائرة بوينغ 737 ماكس 9، الطائرة الأحدث في العالم، خلال رحلة في الولايات المتحدة، البلد الأكثر تطورا ومراعاة للسلامة الجوية.
ويأتي من يقول لك إن التدقيق في الطائرات المشابهة كشف وجود براغٍ لم يتم تثبيتها كما ينبغي، بل ويقر رئيس شركة بوينغ بالذنب. ما ذنبي أنا وذنب المسافرين؟