أخبار وتقارير

الإثنين - 06 مايو 2024 - الساعة 01:18 ص بتوقيت اليمن ،،،

كتبه أ. د. عبدالله عبدالله عمر


ما قاله شعراء السلطنة العبدلية في المطر
قال الأول:
نسيم البرود نسنس علی الروضة وقع يوم مشهود
وقال الثاني:
هاتوا عباتي خاف بامطر
وقال الثالث:
شنشني شنشني
يا مطر رشْني
ويا محبة ارشني
وقال الرابع
شن ماطر علی حيط الإحسان
وقال آخر علی منواله:
شن المطر علی الحسيني شن
وقال الخامس
ليتني فستان
من عز الحرير
يلبسه المحبوب
في ليلة مطير
يلتصق بالجسم
عمره ما يطير
لا تشله رياح
ولا حتی هبوب
.........................................،
من الأشياء التي شغلت ذهن شعراء العربية ومنهم شعراء السلطنة العبدلية وصف المناخ حين يُنعِم الله علی عباده بهطول الأمطار
ولو تأمّلنا أبياتًا من الشعر شعراء لحج؛ لوجدنا كيف يُصوِّر لنا الشاعر فرحته بالمطر وهطولها، و وصفه كل ما يتعلق بالمطر من تغيُّر في الطقس (تباشير) تُنذِر بنزول المطر، وأول ما يلقانا في بيان ترُقب هطول المطر قول الشاعر الذي أدرك أنّ تحوّلات الجو تُفصِح عن مطر، إذ يقول:
هاتوا عباتي خاف بامطر
فهو يطالب من يقوم بخدمته ويسمع نداءه أن يناوله عباءته، فإنّه يتوقع نزول المطر، ويخاف أن تبتل ثيابه، فيطلب عباءته، لتقيه من زخات المطر إن هطلت.
فهذا إعلان للاستعداد لملاقاة المطر و تبعاتها، وقوله: عباتي من غير همزة؛ إذ أصل عباتي هو عباءتي ولكن لثقل نطق الهمزة بين الألف والتاء المكسورة تم تغييب الهمزة فقال: عباتي. وهي قضية صوتية.
ويأتي الشاعر الثاني بما يُفصِح عن أنّ تباشير المطر قد حلّت فيقول:
نسيم البرود نسنس علی الروضة وقع يوم مشهود
فهو يذكر أنّ النسيم قد نسنس أي هبّ مقترنًا بالبرود الدال علی قدوم المطر، ثم ذكر الموضع الذي حلَّ فيه هذا النسيم وهو الروضة، التي تزان بالأشجار وأصناف الورود، فتتشكل حالة طقسية فيها من الروعة والجمال ما فيها. ويُكمِل الصورة بأنّه وقع يوم مشهود جميل بكل معاني الفرح والسرور، شهده من شهده، وهو يوم تخلّد في ذاكرة الشاعر حتی أورده في شعره مُجسِّدًا تلك الحياة الجميلة والعيش الرغيد الذي كانت تنعم به حاضرة السلطنة العبدلية ومن كانت تحت رعايتها.
وهكذا يتدرج الشعراء في وصف ما يعتري الأجواء من تغيُّرات تُبشِّر عن قدوم أمطار بركة وأمطار خير ينعم بها الإنسان والأرض والطير.
وبعد أن تهيّأت الأجواء لنزول المطر، يُعلن شاعران من الشعراء عن نزول أمطار علی منطقة من مناطق السلطنة العبدلية مشهورة فيقول:
شن ماطر علی حيط الإحسان
يبدأ إخباره عن وجود مطر بقوله: شن ماطر، واستعمل الشن للدلالة علی قوة حصول المطر، فقال: شنّ، واستعمال هذه اللفظة تحديدًا يُفيد عن قوة المطر، بل يُشبِّهها بهجوم فيه قوة، لكنّه هجوم مائي، ثم قال: ماطر، وهي اسم فاعل لاسم المطر، ثم خصَّ مكانًا معينًا لنزول هذا المطر وهو حيط (بستان) الإحسان،
وشاركه شاعر بذكر نزول المطر علی بستان الحسيني قائلًا:
شن المطر علی الحسيني شن
فهو يأتي باللفظتي نفسها (شن) ويسبتدل بالماطر المطر، والحسيني بستان معروف في تبن شمال الحوطة.
ويَخلِص شاعر رابع إلی أن يطلب من المطر أن يرشه فيقول:
شنشني يا مطر رشني
ويا محبة ارشني
والشنشنة هي نوع من الصوت، يذكر د. توفيق خالد في كتابه (أصول الألفاظ والتعبيرات العامة) أنّها كلمة فرعونية.وكان يكثر دورانها عند مهندسي تصليح السيارات.
وفي قوله: يا مطر، نداء للمطر بأن يرشه فقال:
رشني والرش هو نزول زخات من المطر، ثم أتبع ذلك بما يتناسب مع الرش فقال: ويا محبة ارشني
وهو ينادي المحبة بأن ترشن أي تثبت تلزم صاحبها.
وفي ندائه المطر والمحبة استعارة مكنية شبّه المطر والمحبة بإنسان ينادی ثم حذف المشبه ورمز له بشيء من لوازمه النداء.
ويأتي الشاعر الخامس فيّوظّف المطر في خدمة غايته ورغبته في رؤية المطر من خلال نزولها في ليلة يكون الشاعر قد صار لباسًا علی محبوبه يتمنَّی أن يلبسه المحبوب في ليلة مطيرة أي كثيرة نزول المطر، فيقول الشاعر:
ليتني فستان
من عز الحرير
يلبسه المحبوب
في ليلة مطير
فالشاعر أراد أن يُصوِّر لنا شدة ولعه بمحبوبه ورغبته في أن يتحوّل هو إلی قطعة قماش ناعمة، ولا يصلح لذلك إلا الحرير، ولم يقتصر علی كونه من حرير؛ بل يريده من أفخر أنواع الحرير وأعزها كي لا يؤذي محبوبه، ولعشق محبوبه بقاء الثوب عليه، فالإنسان إذا أحب شيئًا أحب ملازمته، ويريد أن يكون هذه الوضع في ليلة مطير.
ملاحظة:
سيذكر الشاعر حالةً لمحبوبه يرغب أن يراه فيها، و قد تحوّل المحب إلی نوع من أعز أنواع الحرير.
ومن المعلوم أنّ الشعراء في معظم أحوال قولهم الشعر يصفون ما يختلج في دواخلهم من تمنِّي تحقق أمور في المحبوب قد يستنكرها بعض الجهلة، ونحن نذكرها؛ ولتتضح الصورة نُبين للقارئ أنّ الإسلام اعتنی بذكر أدق تفاصيل تعلُّق الرجل بالمرأة،
فهو أمر جبلي لدی بني الإنسان، فليس بخطأ أن يتمنَّی الشاعر ذكر ما يرغب أن يتحقق له في محبوبه إكمالًا لما يكون له فيه من متعة ورضا، وقد جاء في الحديث الصحيح أنّ نبينا - عليه الصلاة والسلام - قال لأصحابه - رضي الله عنهم -:" لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلًا و لبكيتم كثيرًا ولما تلذذتم بالنساء علی الفرش"
فقوله: (ما تلذذ بالنساء) هو ذكر حالة يعيشها الأزواج مع زوجاتهم وهي من طبيعة الإنسان البشري ذو الطبيعة المزدوجة الروح والجسد و هي متعة أباحها الله عز وجل له بطريق الشرع؛ ولذا نری الشاعر يتمنّی أمنية تتحقق له في محبوبه فيقول:
ليتني فستان
من عز الحرير
يلبسه المحبوب
في ليلة مطير
فأورد الشاعر لفظ مطير الموزون علی فعيل للدلالة علی كثرة نزول المطر في تلك الليلة لتتحقق له أمنيته.
فهو يتمنَّی أن يصير فستانًا يلبسه المحبوب وهذا التمنّي دلالة علی ولعه بمحبوبه ورغبته في أن يلازمه ويصبح له مثل الفستان الذي يلازم جسده يتحرك بحركته.
ويُشترَط في الفستان أن يكون من أعز أنواع الحرير كي يَفتتن به محبوبه ويُعجب به ويحب أن يظهر به دومًا
ولم يقتصر الشاعر علی أن يكون فستانًا من حرير فحسب بل زاد بوجود وصف آخر يجعله ملتصق بمحبوبه لا تغيِّره عوامل التعرية من رياح وغيرها فيقول:
لا تشله ريح ولا حتی هبوب
هنا يتضح سبب إرادة المطر ليلزم الفستان المحبوب ملتصقًا به لا يزول ولا يتحوَّل عن جسد المحبوب.
لقد أبدع الشاعر في ظهور ولعه بمحبوبه ورغبته في أن يكون قريبًا منه روحًا وجسدًا.
هكذا أمتعنا شعراء السلطنة العبدلية بتوظيفهم المطر والماطر والمطير في شعرهم وما أصفوا عليه من جمال وروعة ظهرت فيه أحاسيسهم فرحًا بالمطر.
تم المطلوب