الخميس - 22 يونيو 2023 - الساعة 01:37 ص بتوقيت اليمن ،،،
وكالات
قبل توجهها إلى المدرسة في الصباح، ترتدي ناجيني الزي المدرسي المكون من اللونين الأزرق والأخضر، وتغطي شعر رأسها بوشاح أبيض فضفاض، ثم تضع أغراضها المدرسية داخل حقيبتها، وعندما تفاجئها ضحكة تسارع بوضع أطراف وشاحها على فمها.
وقد تبدو ناجيني في مظهرها مثل أية طالبة أخرى في مدرسة باكستانية، ولكن مدرستها الكائنة في مدينة لاهور لها طابع خاص، لأنها افتتحت في إطار مشروع رائد جديد، يتيح التعليم للشباب من المتحولين جنسيا في باكستان، رغم أن الثقافة الدينية المحافظة في هذه الدولة تعزل بشكل تقليدي أولئك الذين ينتمون إلى المثليين والمتحولين جنسيا عن المجتمع.
ويشمل تجمع المتحولين في باكستان أيضا الأشخاص ثنائيّ الجنس، الذين ولدوا بأعضاء تناسلية لا تؤكد بشكل دقيق هويتهم من ناحية النوع.
ويحظر القانون الباكستاني التمييز ضد الأشخاص المتحولين، ويسمح لهم قانون صدر عام 2018 باتخاذ القرار الخاص باختيار نوع جنسهم، غير أن هؤلاء الأشخاص مازالوا بعيدين عن الحصول على القبول المجتمعي لهم.
وفي الكثير من الأحيان تتبرأ منهم عائلاتهم ليلجأوا إلى التسول والعمل في مجال الرقص؛ فعلى سبيل المثل تخلت أسرة ناجيني عنها وهي طفلة، وتركتها تتسول في شوارع لاهور وعمرها خمس سنوات فقط، وهي مدينة يبلغ عدد سكانها عدة ملايين.
واليوم وقد بلغ عمر ناجيني 25 عاما، التحقت بنوعية من التعليم لم تتح لها من قبل. وعلى باب الفصل الدراسي دُونت عبارات تقول “أنتم مرحب بكم هنا، أنتم تحظون بالأهمية والقيمة والتقدير”، ومع ذلك لا تنظر ناجيني وزميلاتها في الدراسة إلى هذه العبارات على أنها حقيقة متجسدة على أرض الواقع.
تقول ناجيني “إننا نواجه مشاكل وصعوبات في أقسام الشرطة والمستشفيات والأماكن العامة”. وهناك مدرسة أخرى في مدينة مولتان، للأشخاص المتحولين جنسيا في باكستان.
والأشخاص المتحولون جنسيا في باكستان، والذين يطلق عليهم اسم “خوجة سيراس”، يواجهون استبعادا مجتمعيا خطيرا، وغالبا ما ينتهي بهم الحال إلى العيش في الشوارع، أو الاضطرار إلى العمل في مجال الدعارة من أجل الحصول على لقمة العيش، وهم يتحدون ليكوّنوا تجمعات يعيشون فيها تحت قيادة نوع من الزعامات الروحية، وفي الغالب ينتهي بهم الحال إلى اتخاذ أسماء جديدة لأنفسهم، وناجيني أيضا كان لها في السابق اسم آخر.
وتقول مديرة مشروع المدرسة بلقيس ريحانة سارويا “إنه برنامج صغير ولكنه مكثف”. وتضيف إن “الهدف النهائي يتمثل في إتاحة الفرصة للأشخاص المتحولين جنسيا، لتعلم شيء يجعلهم قادرين على كسب القوت”.
ولا يوجد حد لسن المتقدمين للالتحاق بالمدرسة، ويمكن للطلبة أن يتعلموا في غرف الدراسة بهيجة الألوانِ اللغةَ الإنجليزية أو الرياضيات أو الحياكة، ولكنهم يتعلمون في المقام الأول أنه من المسموح لهم بأن يحلموا.
وتقول ناجيني إنها لم تعرف من قبل كيف تكون قادرة على تولي مسؤولية حياتها الخاصة.
وهي تشعر بالأمان داخل جدران المدرسة، ولكن عندما تخرج منها تجد أنه لا يزال هناك طريق طويل يتعين عليها أن تقطعه، قبل أن تشعر بقبول المجتمع لها، حيث أن الأشخاص المتحولين في باكستان يتم إجبارهم في الغالب على العمل في مجال البغاء، وينتهي الحال بهم إلى أن يصيروا منبوذين مجتمعيا.
ويتم أحيانا طلب أفراد من تجمع “خوجة سيراس” للرقص في أفراح الزواج، رغم أن هذا النشاط لا يساعد على تحسين سمعتهم.
ووفقا لإحصاء المحكمة العليا لعام 2019، يقدر عدد المتحولين جنسيا في باكستان بحوالي 300 ألف على الرغم من أن العدد الفعلي قد يكون أعلى.
وخلال الأعوام الثمانية الماضية، تم قتل 150 شخصا من المتحولين جنسيا في باكستان، وفقا للإحصائيات الرسمية، غير أن هذه الأرقام لا تتضمن آلافا من حالات العنف والتحرش التي يواجهها المتحولون جنسيا.
وتقول الناشطة نامكين بيشاواري إن “الكثير من الحالات لم تحقق الشرطة فيها على الإطلاق، مما يؤدي إلى زيادة العنف ضد هذه الفئة”.
غير أن الحال لم يكن كذلك على الدوام، فهذه الفئة كان ينظر إليها في الماضي نظرة احترام في المنطقة، فتحت حكم المغول المسلمين منذ مئات الأعوام، كان مجتمع المتحولين جنسيا من بين القلة التي كان يسمح لها بدخول أجنحة الحريم في القصور الملكية، وفقا لما يقوله المؤرخ مبارك علي، ولكن الأمور تغيرت بعد مجيء الاستعمار البريطاني.
ومع ذلك لم يستسلم مجتمع المتحولين، فهم يناضلون من أجل الاعتراف بهم، وكان اعتراف باكستان بالجنس الثالث خطوة رائعة لهم. لقد تغيرت الحياة بالنسبة إلى الكثيرين لأنها سمحت لهم بالحصول على بطاقات الهوية اللازمة لكل شيء من الحصول على رخصة القيادة إلى فتح حساب مصرفي.
وتم عام 2021 افتتاح مدرسة خاصة بمثابة معهد تعليمي أعلى، لاستيعاب فئة “خوجة سيراس”، في العاصمة الباكستانية إسلام أباد، والهدف منها إتاحة بيئة آمنة للأشخاص المتحولين جنسيا، تمكنهم من دراسة القرآن، أو حتى الالتقاء معا، وفقا لما يقوله مؤسس المدرسة نايب علي.
كما تتيح المدرسة مأوى للحالات الطارئة. ومن ناحية أخرى تؤكد ناجيني أنها تريد أن تستكمل دراستها، وتقول إنها لا تريد أن يكون مستقبلها التسول في الشوارع.